أمير مخول
غداة كل مد وطني ومقاومة شعبية فلسطينية في الداخل أصبح متوقعا أن تشن الحركة الصهيونية حملة مكثفة تستهدف هدر ما تراكم من انجاز كفاحي وطني. وتستهدف شراء الذات الفلسطينية وتفريغ هويتها المقاومة (بكسر الواو) والحيلولة دون تناميها.
فمنذ انتفاضة الأقصى على كامل الوطن الفلسطيني ومرورا بهبة الغضب على جرائم الاحتلال الإسرائيلي خلال اجتياحه مدن الضفة الغربية عام 2002 وهكذا في أعقاب مناهضة جماهير شعبنا لعدوان 2006 على لبنان والإسهام في إخفاق أهدافه وبلوغا إلى مجزرة غزة وحصارها بداية العام الجاري، تجري بشكل حثيث مساع منهجية يتكامل فيها دور إسرائيل ودور المنظمات ومجمل الحركة الصهيونية العالمية لاختراق مناعة جماهير شعبنا وإضعافها.
فمقابل قمع الدولة اليهودية الصهيونية تقوم المنظمات الصهيونية العالمية بحملاتها لإغداق الأوهام لا الأموال، وتصدر بياناتها المنمقة بمفردات لبرالية حقوقية شكلا والصهيونية الاستعمارية جوهرا والتي تحذر من انفجار قادم وتدعو إلى العيش المشترك، وبالطبع على الوطن المسلوب منذ نكبة العام 1948 أو على أرضنا في النقب والجليل والتي صادرتها إسرائيل ضمن مخططات تهويد النقب والجليل. لكن هذه الحركة الصهيونية على تياراتها ومنظماتها هي التي تدعم إقامة المستعمرات الإسرائيلية على الأرض العربية المصادرة في منطقة البطوف وهي التي تؤكد أن هدفها الرئيسي هو ضمان دولة إسرائيل "يهودية ديمقراطية". وكلها مجمعة أنها صاحبة البيت في الدولة اليهودية كون هذا الكيان تابع "للشعب اليهودي العالمي" وهو "دولة اليهود".
وان كانت المنظمات الصهيونية العالمية قد عملت بشكل فردي في الماضي لكن جمعها الهدف والرؤية والقيم الاستعمارية، فان ما يميز السنوات الأخيرة أنها انتظمت وأقامت تحالفا ضخما من أكثر من سبعين مؤسسة وشكلت ما يسمى "فريق العمل متعدد الوكالات لشؤون عرب إسرائيل". ولا يخفي هذا التحالف جوهر موقفه ودوره برؤيته يهودية إسرائيل ضمن مسؤوليته واعتبار ذاته حارسا للجوهر "اليهودي الديمقراطي" لإسرائيل..
هذا الأسبوع شهد حدثا قد يصبح مفصليا إذا جرى التعامل معه كبداية مرحلة لا نهايتها. وهذا الحدث هو إفشال المؤتمر الذي نظمته هذه المنظمات في مدينة سخنين. وقد تم الإفشال ومنع الاختراق ابتداء بالحملة التي أطلقها اتحاد الجمعيات العربية (اتجاه) لمناهضته وبلوغا لمقاطعة بلدية سخنين ورئيسها ومؤسساتها وقواها الوطنية. هذا المؤتمر الذي جاء بالتعاون بين "فريق العمل " الصهيوني المذكور وجالية بتسبورغ ومنظمة شتيل. حيث كان عنوانه "العيش المشترك". ولا بأس من أن تقوم المؤسسات الوطنية بتنبيه المؤسسات الأخرى حول ما يختفي من دور للحضور الصهيوني العالمي بين جماهيرنا. فالحركة الصهيونية تبذل جهدا مضللا هائلا كي تبدو حيادية وغيورة على مصلحة العرب. وهو لا يختلف بالجوهر من سلوكها في المحافل الدولية وآخرها كان مؤتمر ديربان ضد العنصرية عندما تحالفت تحت مفردات الديمقراطية وحقوق الإنسان كي تدافع عن عنصرية إسرائيل، وتلاها الموقف المجاهر لجميعها ودون استثناء من معاداتها السافرة لتقرير غولدستون الاممي ودفاعها المستميت عن إسرائيل وعدوانيتها وجرائمها ضد شعبنا في غزة. وهي تؤيد احتلال القدس وضمها الى اسرائيل وكلها تؤيد وتدعم الخدمة المدنية للشباب العربي في الداخل.
وللحقيقة فان الحملة الوطنية لمناهضة المؤتمر لم تتطرق لمضمونه ولا جوهر أبحاثة، بل أن الأمر الجوهري كان هو الثوابت الوطنية ومناهضة الدولة اليهودية ورفض تطبيع أدواتها من منظمات صهيونية عالمية. المنظمات الصهيونية العالمية هي جزء لا يتجزأ من مركبات الدولة اليهودية والمشروع الاستعماري العنصري على وطننا. واعتبرت الحملة ان دورنا هو مناهضة الصهيونية ومنظماتها وتجلياتها لا التطبيع معها ولا شرعنتها. فمن يرفض جوهر الدولة اليهودية وسياسات تهويد النقب والجليل لا يستطيع أخلاقيا ان يتعايش مع مقومات المشروع الصهيوني وعلى أنقاض ما هدم واقتلع وصادر.
كما انطلقت الحملة الوطنية من اعتبار أن هدفنا ودورنا وبالذات دور العمل الأهلي الفلسطيني المستهدف هو منع اختراق الحركة الصهيونية لمناعة جماهير شعبنا واحتواء أوساط منها. ورفض قاطع لان تلعب مؤسساتنا دور حصان طروادة للمشروع الصهيوني سعيا وراء وهم التمويل أو الوهم بإمكانية تحقيق الحقوق من خلال أدوات اللعبة التي تفرضها إسرائيل ومجمل الحركة الصهيونية.
الحركة الصهيونية بمنظماتها ومؤسساتها وتياراتها المتنوعة تنظر إلى جماهير شعبنا الفلسطيني في الداخل من باب الأمن القومي الإسرائيلي، وتريدنا مجموعة سكانية تتحدث بمفردات الاعتداد بالنفس وبتعبير التحبب "الوقاحة الإسرائيلية"، ولكن نكون جوهريا خاضعين لقواعد لعبتها. فما نفع المفردات الوطنية إذا قبلنا طوعا بمبدأ العيش المشترك على أرضنا المصادرة وارض شعبنا المنهوبة!! وما نفع الاعتداد بالذات إذا قبلنا بان تكون المنظمات الصهيونية العالمية أيا كانت شريكة لنا في تحديد مصيرنا وملامح مستقبلنا!!.
الحركة الصهيونية العالمية ومنظماتها ترى بنفسها صاحبة الوطن الفلسطيني ومالكة لدولة إسرائيل وليس تابعة لها. وترى بالجماهير العربية تابعة لإسرائيل وتابعة لها ولمشروعها الكبير. وجوهريا تنظر إلى الجماهير العربية الفلسطينية في الداخل من منطلق المشكلة ولذلك فان إستراتيجيتها هي الاحتواء سعيا لما يسمى مكافحة التطرف وتعزيز الاعتدال وخلق مصلحة مادية وبنية ولاء عربي فلسطيني للدولة اليهودية.
هناك مسؤولية أخلاقية وهي أن نتعامل مع ذاتنا كشعب ولا ننحصر بحدود مواطنتنا، والمقصود أن تكون علاقتنا بالتدخل الصهيوني استمرارا للمشروع الاستعماري العنصري. علاقتنا بالحركة الصهيونية هي علاقة صراع على الوطن وعلى حق شعبنا فيه وعلى حق لاجئينا بالعودة اليه والى بلداتهم واستعادة أملاكهم التي هدمها ونهبها وصادرها المشروع الصهيوني. وأما دور المنظمات الصهيونية وفريق العمل متعدد الوكالات فهو في نهاية المطاف مسعى لتجميل الشكل والحفاظ على الجوهر الصهيوني.
لقد نجحنا في محاصرة توسع نفذهم ومنع اختراق مناعتنا الوطنية كجماهير والمطلوب الان اعتبار ما جرى هو بداية مطاف والمهمة القادمة هي في كنس مساعي الاختراق الصهيوني لمناعة جماهيرنا. وهي مهمة وطنية كبرى. فكما نطالب العالم بمقاطعة إسرائيل ونطالب العالم العربي بمناهضة التطبيع فنحن في الداخل الفلسطيني لسنا معفيين من لعب دورنا في مناهضة الصهيونية وأدواتها، ولا بأس في أن نعود إلى الثقافة الكفاحية حيث للموقف يوجد ثمن وعندما ندفعه تزداد مناعتنا الوطنية ونحصّن كرامتنا القومية.
18/11/2009