Thursday, January 26, 2012

رسالة الى مصر: أسرى فلسطين 48 يطرقون أبواب مصر

رسالة الى مصر: أسرى فلسطين 48 يطرقون أبواب مصر  

حين انطلقت ثورة الشعب المصري أوائل العام 2011، اعتبرناها تعزّز ما في شعبنا الفلسطيني. فكلا الشعبين "لا يعرف المستحيل" في نضاله من أجل حريته وكرامته الوطنية والقومية. وقد استبشرنا خيراً وحالفنا أملٌ عظيم أن هذه الثورة ستعيد للشعب المصري سيادته وتعيد لمصر مكانتها التي تليق بشعب عريق وبدولة تسعى لتكون دولة عظمى إقليمية ومن الدول الصاعدة دوليا وذات حضور عالمي فعال.

في إدارة الصراع العربي الإسرائيلي ومحوره قضية فلسطين، يلفت نظرنا الدور المصري المتصاعد بروح الثورة الشعبية، والذي أخذ يغيّر في قواعد اللعبة الإقليمية القائمة على فرضية الهيمنة المطلقة الإسرائيلية والأمريكية وعلى العجز العربي.

إن معادلة القوة والضعف هي ليست معادلة مطلقة، بل أنها محصلة وضع وحالة وحقبة تاريخية. ولا بدّ أن تفرض ثورة مصر قواعد لعبة جديدة في المنطقة بخلاف معاييرالسياسة التي هيمنت على العقود الأخيرة، وبالذات التي تلَت اتفاقيات كامب ديفيد المصرية الإسرائيلية الأمريكية والتي تعتبرها المؤسسة الأمنية الإستراتيجية الإسرائيلية أهمّ ركيزة ومعطىً للأمن القومي الإسرائيلي وسياساتها ومشاريعها في المنطقة وبالذات مشاريع الهيمنة والعدوان من جهة والتطبيع من الجهة الأخرى.

تتكوّن قوة إسرائيل من مركبات جوهرية أساسية، وهي تماسكها الداخلي والقناعة الداخلية، وكذلك ترسانتها العسكرية والتكنولوجية الإستراتيجية، واقتصادها المتطوّر. وهناك الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل الساعي ضمان تفوّقها العسكري الاستراتيجي. اما العامل الأساسي والأكثر قابلية للتغيير فهو الضعف العربي والفلسطيني. إن هذا البعد قابل للتغيير في حال توفرت إرادة عربية وفلسطينية بالطبع. ومن شأنه على المدى البعيد أن يغيّر قواعد اللعبة وأن يؤثر على المركبات الأخرى المذكورة.

كما أن القراءة الإسرائيلية الأمنية تحدّد أن قوة مصر من شأنها أن تحسم في هذه المرحلة باتجاه بلورة إرادة قومية عربية والتخلص من حالة العجز. وهذا ما تتعامل معه إسرائيل ليس بمجرّد سياسية، بل تغيير وضع استراتيجي، كما وتحدّد أن مصر تملك" مفاتيح المنطقة". وإذ يثير هذا التقدير المخاوف الإسرائيلية، فإنه يبعث الأمل للشعب المصري وشعوب المنطقة وبالذات الشعب الفلسطيني المناضل من أجل استعادة حقه.

في صفقة تحرير الأسرى والتبادل بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وبين إسرائيل، برز دور مصر الجديد وعمليا دور مصر الطبيعي بأنها تملك القدرة والإرادة كي تلعب الدور الذي يليق بدولة بمكانة مصر. وباعتراف إسرائيليين كثر، فإن الثورة ما كانت لتتم حسب تحليلاتهم، لولا التحوّل الجاري في مصر.

لقد نجحت صفقة "تبادل الأسرى" في كسر محرّمات سياسية إسرائيلية كانت طاغية بفضل قواعد لعبة "معادلة القوة" قبل ثورة مصر. وإحدى أبرز الدلالات لذلك كان أنّ الصفقة شملت خمسة أسرى محكومين مدى الحياة وقضوا أكثر من عشرين عاما في السجن الإسرائيلي وهم من فلسطين 48 الذين يطلق عليهم "أسرى الـ 48".

أسرى الـ 48 هم الحلقة الأصعب بين الأسرى عند حدوث تبادل أو خلال عمليات إفراج تحدث، فهؤلاء تعتبرهم إسرائيل "مواطنين وشان إسرائيلي داخلي" وتتشدّد بشأنهم من باب الردع للآخرين، وتحاول أن تمنع عنهم هويتهم الفلسطينية والقومية العربية التي هي بالذات كانت الدافع وراء مشاركتهم في النضال التحرري الفلسطيني والعربي. وتشكّل المحكمة الإسرائيلية أداه طيّعة في خدمة جهاز الأمن العام، ويتيح القانون تجريم التواصل بين فلسطينيي 48 مع عالمهم العربي، وتنزل أحكام انتقامية عالية جدا بحقهم. ومن ضمن هؤلاء كاتب هذه السطور الذي صدر بحقه حكم بالسجن تسع سنوات.

ضمن العشرات من أسرى الـ 48 المحكومين مدى الحياة، هناك أربعة عشر أسيراً قضوا ما بين عشرين وثلاثين عاماً في السجن الإسرائيلي . وقد شهدوا هم وعائلاتهم أربع اتفاقيات تبادل أسرى شملت آلالاف، لكنها لم تتعامل معهم كونهم يحملون الجنسية الإسرائيلية ومن هؤلاء من هم كبار السن والمرضى المزمنين ومنهم من فقد والده أو والدته أو كليهما وهو في السجن وجميعهم قضوا من حياتهم في السجن أكثر من خارجه. وكلهم ذاق كل العذابات والمعاناة والقهر، ولكل منهم أسم وقصة إنسانية وعائلية، إنهم جزء من رواية شعبٍ وأمّة. وقد أصبحوا اليوم المجموعة الأقدم من بين أسرى سجون الاحتلال الإسرائيلي الفلسطيني والعربي.

المواطنة الإسرائيلية للفلسطينية هي مواطنة قسريّة، فُرِضت على فلسطيني 48 وهم الذين بقوا في وطنهم فلسطين وصمدوا فيه بعد أن احتلته إسرائيل عام 1948 بعد أن اقتلعت وهجرّت غالبية أهله ضمن عملية "تطهير عرقي ممنهجة وهدمت خمسمائة وواحدة وثلاثين قرية ومدينة فلسطينية وصادرت كل ممتلكات الشعب الفلسطيني الفردية والجماعية.

لقد حرمت إسرائيل هذا الجز الحيوي من الشعب الفلسطيني من حقه بالتواصل مع شعبه ومع الشعوب العربية ولم تترك وسيلة قمع الا واستخدمتها، ومع ذلك صمدت الناس وازدادت قوة. وفي المقابل وللأسف، فإن "ظلم ذوي القرب" كان قاسيا جدا في قلب فلسطين 48 فقد تمَّ إقصاؤهم عربيا وطوال عقود ، وحين بدأ التعامل معهم من قبل الأنظمة العربية، وبالذات النظام المصري السابق ما قبل الثورة، فقد جرى ذلك من باب التعامل الوظيفي والتوظيف السياسي لوجودهم كما لو كانوا جمهورا احتياطيا وأداه لعب لتغليب هذا الحزب الإسرائيلي على ذاك في انتخابات الكنيست. وهذا موقف رفضه فلسطينيو 48، فكلا الحزبين الحاكمين تاريخيا في إسرائيل (حزب العمل وجزب الليكود) قد أجرم بحق شعبنا الفلسطيني وشعبنا العربي.

إن رفض التعاطي مع فلسطيني 48 وتحمّل المسؤولية تجاههم، وأيضا الإستفادة قومياً من دورهم وصمودهم وكفاحهم، إنما هو تعبير آخر عن روح الهزيمة العربية بعد نكبة العام 1948 والتي زادت بعد نكسة العام 1967. لكن مع هذا ورغم الظلم العربي فإنّ قرارنا وأرادتنا نحن فلسطيني 48 كانا ثابتين ولم يتزعزعا، وأكدنا دائما أن الشعوب العربية هي المدى الطبيعي لنا ولكل فلسطين وشعبها، وأنها لا بد أن تُنصِف من ظلمتهم الأنظمة التي أسقطتها الثورة، فكم بالحري حين تستعيد هذه الشعوب كرامتها وإرادتها المنتصرة.
استبشرنا خيراً حين علمنا أن لمصر دوراً في تحديد الأسرى الذين سيفرج عنهم في المرحلة الثانية من عملية التبادل بين حماس وإسرائيل. ونتوقع من مصر أن تأخذ بالحسبان هذه الرسالة وأن تضمن أسرى 48.

نحن في الحركة السيرة ندرك أن صفقة "تبادل أسرى" مهما كانت، فلن يكون بمقدورها إطلاق سراح ستة آلاف أسير فلسطيني وعربي من الأسر الإسرائيلي. كما تدرك الحركة الأسيرة أنّ إدارة ملف تحرير الأسرى من خلال إستراتيجية واحدة أحاديّة، لا تستطيع تحرير الأسرى، وهذه نقطة ضعف خطيرة لدى القيادة الفلسطينية. لكنا ندرك أيضا أن مصر تملك قدرات وإرادة متعاظمة وأدوات تأثير تمكّنها من فرض قواعد لعبة جديدة وتحرير الأسرى دون الحاجة الى إستراتيجية الأسْر والتبادل، ونطالب بتفعيل هذا الدور المصري.

خلاصة
يرفض فلسطينيو 48 أن يجري التعامل معهم كمسألة إسرائيلية داخلية، بل هم جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني والأمة العربية والثقافة العربية والحضارة العربية، وجزء لا يتجزأ من معركة الصمود وإدارة الصراع مع المشروع الصهيوني الاستعماري العنصري. والمهام التي يقوم بها هذا الجزء من الشعب الفلسطيني هي القضية الفلسطينية بالكامل، سواء في الدفاع عن وجودهم وتطورهم في وطنهم أم دورهم في مشروع عودة المهجرين واللاجئين الى وطنهم وديارهم، ودفاعا عن عروبة القدس والأقصى والأوقاف الإسلامية والمسيحية الفلسطينية وفي مقاومة الاحتلال والسعي لإحقاق حق تقرير المصير وضمان المشروع التحرري الفلسطيني والعربي. وكذلك كونهم في خط المواجهة الأول لإفشال مشروع "الدولة اليهودية" وفي مواجهة الجوهر الإستعماري العنصري لإسرائيل ونزع شرعيتها ومقاومة مجمل السياسات والمشاريع المنبثقة عنه من قوانين وتشريعات عنصرية إستعمارية ومصادرات الأراضي وهدم البيوت العربية (43،000 ثلاثة وأربعون ألفاً) بيت مهدد بالهدم في النقب والجليل والساحل الفلسطيني. كما لم ولن يتراجع فلسطينيو الـ 48 عن حقهم وواجبهم بالتواصل مع الشعوب العربية ومناهضة التطبيع في حين أن أسرى 48 هم أسرى فلسطين والعرب في المعركة من أجل الحق في فلسطين.

إن إطلاق سراح أسرى الـ 48 لا يأتي بالاستجداء ولا بقرار من المحكمة الإسرائيلية القمعية العنصرية ولا من عفو يصدر عن "طيبة قلب" شمعون بيرس. بل أن معادلات تحرير الأسرى معروفة كما استعادة أي حق فلسطيني.

إطلاق سراح أسرى الـ 48 هو مهمة ممكنة وقابلة للتحقيق وسريعاً. الأسرى صامدون ويناضلون رغم القهر والألم والظلم، وكذلك عائلاتهم ومعهم كل شعبهم وحركات تضامن واسعة في العالم، وهناك أنشطة شعبية عربية بهذا الصدد ويمكن التوقع أكثر بكثير.

الدور العربي وبالذات المصري هو حاسم في حال توفرت الإرادة والقرار بذلك. مصر مطالبة بهذا القرار وبهذه الإرادة. وحين نقول مصر فالمقصود النظام العربي الجديد، لكن أولاً وأخيرا شعب مصر الحرّ صاحب القرار والإرادة المتحررة والمنتصرة.

نشر في  بوابة 25 يناير  يوم 29.11.11

وايضا:

Tuesday, January 24, 2012

INTERNATIONALIZING THE PALESTINIAN PRISONERS QUESTIO

INTERNATIONALIZING THE PALESTINIAN PRISONERS QUESTION

* This article is co-published by Beirut-based   Al-Ahkbar  and     Electronic Intifada ,  AIC , Ufree-p.net , occupiedpalestine .  and translated from Arabic.
The success of internationalization can be gauged by the extent to which the issue or question concerned becomes a global concern. It means creating a situation on the ground which makes it impossible for the international system to continue shirking responsibility, or colluding with a dominant or powerful party in usurping the rights of a weaker victim. International mechanisms can then be brought into play to support the restoration of the victim’s rights and enforce compliance on the violator.
In such cases, justice is the victim’s most potent weapon to offset the power and repressive force of the dominant party — in this case, the racist colonial regime of Israel.
But there is a basic rule that has been proven and reaffirmed by every popular revolution and liberation movement: it is not sufficient for a group or people to be victims of injustice to earn the world’s solidarity. For the world to support them, these victims must not only be conscious of and committed to their rights but more importantly, they must resist their oppression and oppressors. The victims’ own steadfastness, defiance and struggle is key to transforming international sympathy into solidarity, in the sense of effective political action with a strategic horizon.
Internationalization lies essentially and primarily in activating and sustaining global popular solidarity, as well as acting to encourage official international bodies to assume their responsibilities.
A mobilized, energized and expanded worldwide solidarity movement can do much to influence governments, legislatures and media in countries and societies throughout the world, and put pressure on international and official bodies, to promote policy changes on two fronts: to support and strengthen the victims of injustice and their hopes of attaining their rights via a combination of their liberation struggle and international legality; and to weaken and isolate the oppressive and racist colonizer, subject it to sanctions and deny it legitimacy, with the ultimate goal being the dismantling of its repressive structures.

Liberate them now

Yet the official Palestinian position on the release of Palestinian prisoners in Israeli jailsserves to undermine their cause, which is a central component of our people’s liberation struggle.
The official stance, essentially, is that no final peace agreement with Israel will be signed until all prisoners are released from Israeli jails. In practice, this is a recipe for delaying and deferring the liberation of the prisoners indefinitely, and marginalizing the issue within the overall Palestinian agenda. Liberating the prisoners should mean liberating them now.
Israel went to great lengths to turn the case of one of its occupation troops who fell into Palestinian captivity into an international humanitarian concern, while demanding that the world view and treat its 7,000 Palestinian prisoners of freedom as “terrorists.”
Yet why does Palestinian official discourse defer to this twisted logic? Why does the party with justice on its side, the victim, need to make excuses for Palestinians defending their rights? Why employ apologetic language? When was the last time an official Palestinian voice was raised at the United Nations or European Union — or even the Arab League — to defend the Palestinians’ right, and duty, to resist occupation, colonization and displacement employing all means of struggle?
This same mentality recently prompted a senior Palestinian Authority official to raise the issue of “mutual incitement” and demand that Israel reactivate the joint committee supposedly dealing with this issue. How can a supposed representative of a people who are subject in their entirety to colonization, displacement and confinement accept any equivalence in this regard between the aggressive occupying oppressor and its victims?
This is directly relevant to the issue of the prisoners. The official Palestinian position on the international stage is to “condemn violence” and thus denounce acts of resistance against the occupation, while committing to close cooperation with the Israeli security establishment. What message does that send to prisoners incarcerated in Israeli jails for tens of years, who took part in the liberation struggle and are paying the price for doing so? Doesn’t the official Palestinian stance negate their status as prisoners of freedom, national liberation, conscience and justice?
If a message is ever to gain international popularity or official traction, it must be clear and coherent. This is absolutely crucial for internationalization. The words and actions of Palestinian officialdom must be in harmony with those of the popular level, civil society and grassroots movements, and also with the international solidarity and support movement.

Palestinian leadership must not undermine solidarity

That is vital to avoid any repetition of the painful experience of the campaign in the UK to boycott Israeli universities as part of a wider academic and cultural boycott of Israel. This constituted an unprecedented and strategic escalation in the role and effectiveness of solidarity movements. Yet within weeks of the launch of the campaign, the PA’s Al-Quds University at Abu Dis concluded a cooperation agreement with the Israeli Hebrew University of Jerusalem. That dealt a blatant stab in the back to the worldwide movement of solidarity with the Palestinian people.
One must also question how much importance the PA and the Palestine Liberation Organization really accord to the prisoners issue — in their international diplomacy and at the UN, in their meetings with the Israelis, and as a Palestinian national priority. It is impossible to justify their failure to press it as a central issue in political talks over the years, one that cannot be ignored and must be resolved as a condition of further progress.
Prisoner exchange deals cannot in themselves address the question as a whole. Awaiting a promised peace deal as the magic solution is an exercise in futility. Nor can the release of the prisoners be treated as subject to the Israeli legal system. The Israeli judicial establishment is an intrinsic part of the system that sustains and legitimizes the occupation and the racist state and whitewashes their crimes.
Yet the issue of the prisoners remains a core element of the conflict, and its outcome is determined by balances of power. The Arab revolutions are sure to have a decisive effect both on the regional power-balance and on the management of the conflict. In this context, internationalization provides a way of changing the rules of the game that have prevailed so far, and breaking free of their control.
Alternatively, the official leadership’s retreat from its role, and the accompanying decline in popular struggle, leaves the prisoners with few options other than to go on hunger strike. Yet this does not necessarily achieve even short-term or minor gains, let alone advance the cause of their liberation. There is a need for new forms of struggle to be devised within the prisons, and linked more effectively to the wider struggle and its strategic objectives.

Engaging civil society

There is a huge and diverse array of Palestinian, Arab and international human rights and civil society organizations that are credible, competent and have a long and rich record of defending Palestinian rights, obviously including the prisoners’ issue. Palestinian organizations can collaborate with their counterparts around the world to press for policy changes in favor of Palestinian rights and establish networks of relationships.
Official Palestinian representative offices must also do more to facilitate such work, encourage grassroots input and engagement, and provide it with official support it. Decentralization and complementarity are required. Regrettably, official policy and behavior has all too often obstructed and conflicted with unofficial campaigning work. This was most apparent in the case of the Palestinian and international boycott, divestment and sanctions campaign against Israel. Palestinian officialdom opposed it, citing the negotiations underway with the Israeli government of Ehud Olmert.
The task of internationalization should be entrusted to a National Coordinating Committee, including representatives of popular organizations and civil society along with officials, both from within historic Palestine and the Diaspora. The roles of all groups should be coordinated with the appreciation that the Palestinian cause is an indivisible whole, and that Israel too is one and the same. In other words, the occupation in the West Bank and Gaza, the racist regime within the Green Line, and the uprooting and ethnic cleansing of the refugees and displaced, are all products of the Israeli state’s colonial and racist nature.

Re-evaluating strategy and priorities

In the process of managing the conflict, there are essential issues which must not be shelved or deferred. No Palestinian official or negotiator is entitled to sideline them in favor of other issues, even if results cannot be reached on all simultaneously.
A wholesale Palestinian and Arab re-evaluation is required of the chosen strategy of negotiating on the basis of achieving interim solutions, and the effect this has had on the Palestinians’ rights and their struggle to achieve them. The disastrous effect of the Oslo accords in this regard has become clear over the past two decades. By sub-dividing basic Palestinian rights into separate components, they were turned into hostages to each other and bargaining chips — the attainment of one package of rights made contingent on conceding another.
On the international level, it may sometimes appear that diplomatic gains can be made by prioritizing one set of fundamental rights — or one issue, such as the colonial settlement in the West Bank and Jerusalem — over the others. But there is a risk of this seeming, both at home and abroad, to abandon those rights which, for whatever reasons, the current Palestinian leadership does not deem a priority. For example, the Palestinian official campaign to focus worldwide attention on the settlements carries the implicit message, inadvertently or not, that freeing the prisoners is not such a high priority.
No Palestinian official negotiator has ever been heard to threaten to halt talks with Israel unless the prisoners are freed, or even that a timetable for their liberation be discussed, or to raise the issue at the UN Security Council. This is due to a Palestinian political decision, or reluctance to take a stand given the prevailing regional and international balance of power. It reaffirms the disastrous legacy of the Oslo accords, in terms of both substance and implementation.
All issues related to Palestinian rights that were deferred under Oslo remain deferred, and look to remain so indefinitely. This applies to the issue of refugees and the displaced, and to Jerusalem. And that’s not to mention the Palestinian leadership’s tacit acceptance that the 1948 Palestinians are a domestic Israeli affair — a notion which they themselves, needless to say, utterly reject and resist by all means available.
With regard to the prisoners, experience shows that Israel does not adhere to its declared principle of refusing to release prisoners who were involved in actions in which Israelis were killed. The same applies to its refusal to negotiate the release of residents of Jerusalem of the 1948 territories. It is the balance of power that counts, and this is not a constant. It can change, largely in accordance with the level of Palestinian popular struggle, official Palestinian policy and the Palestinian will as a whole.
The cause of liberating the prisoners requires the struggle to be waged on two complementary fronts, within and outside the prison walls.
Ameer Makhoul is a Palestinian civil society leader and political prisoner at Gilboa Prison.

“تدويل قضية الأسرى- يبدأ من فلسطين”




 
يقاس نجاح مهمّة التدويل حينما نصل إلى وضع “تدور فيه الدنيا” حول القضيّة أو الموضوع. ولا يكفي أن يُقاس بمدى كون القضية أو الموضوع دوّاراً في العالم. حيث يعنى بالتدويل: خلق وضع على أرض الواقع، بشكل لا تستطيع المنظومة الدوليّة مواصلة التنصل من المسؤولية أو التواطؤ مع الطرف القوي/المسيطر بشأنه. كما لا تستطيع المجموعة أو الشعب الضحيَة القبول بواقع الانتهاك المستدام لحقوقه، والمتواصل كما لو كان أزليا. ولا يقبل أيضا أن تتهرب المنظومة الدولية من مسؤوليتها.
بالإضافة لذلك فان التدويل وضع تصبح فيه الآليات الدولية فعَالة ومتحرِكة إلى جانب الحقوق، بالتالي تسعى إلى فرض إحقاقها على منتهكيها وإلى دعم الضحية في استعادة حقها كذلك. ويمكن أن يكون أهم تغيير تخلقه عملية التدويل كامناً في التمركز حول الحق الذي يشكل أحد أهمَ أركان قوة الضحية المستضعفة في تعطيل مفعول قوة وسطوة وقمع الطرف المسيطر. بناءً على ذلك، في حالتنا يكون النظام العنصري الاستعماري- إسرائيل هو صاحب الشأن المقصود بالحديث.
هناك قانون أساس أثبتته وأعادت إنتاجه كل ثورة شعبية وكل حركة تحرر، ويصرح بأنه لا يكفي أن تكون مجموعة ما أو شعب ما ضحية كي يتضامن العالم معها، بل أن العالم يتضامن ويتحرَك مع الضحية إذا كانت مدركة وواعية للظلم ولاستلاب الحق ومتمسكة بحقوقها، والأهم أنها تقاوم الظلم والظالمين. وفي المقابل فإن أنظمة الاستعمار العنصرية لا تتورَع أخلاقيا عن ارتكاب أية جريمة تجاه الشعب الضحية. وبقدر ما تصمد الضحية وتتحدى وتناضل، فإن التعاطف مع الضحية يتحوَل إلى تضامن، بمعنى الفعل السياسي الذي يتمتع بالتأثير والأفق الاستراتيجي.
إضافة إلى ما ذكر، فإن التضامن العالمي هو أيضا تحمَل أوساط متزايدة في مختلف أنحاء العالم للمسؤولية ومشاركة الضحيَة همومها وتقاسم أعباء ومسؤوليات النضال معها في سبيل استرجاع الحقوق. كما أن التضامن والتدويل في أساسه هو فعلٌ إنساني وطاقة عالمية أو “مُعولَمة”، تقوم بعملية مضاعفة قوة الضحية، باعتبار أن الضحية في موقعها ومكانها تعاني أساساً من اختلال كبير وصارخ في توازن القوى المحلَي، ودور التدويل والتضامن تقليص هذه الفجوة أو إبطال مفعولها وإبطال قدرة القامع على مواصلة قمعه. كما يزداد الأثر ويتعاظم حين تُحسِن الضحية إيجاد عوامل “مضاعفة للأثر” بما فيها استخدام آليات جديدة وأدوات نضالية متحررة من سطوة القامع وكذلك الاستخدام البارع للإعلام في سبيل إحقاق عدالة قضيتها.
يتضح أن التدويل يختلف عن التضامن كونه أوسع منه، وأنه جوهرياً فعل الشعب الضحية بالترافق مع حراك متفاعل معه. أما التضامن فهو فعل المتضامنين من خارج كيان الضحيَة. كما أن التدويل في جوهره يختلف عن عملية الإقناع أو لفت النظر، فإن قضايا بحجم القضية الفلسطينية ليست مسألة “سوء تفاهم” أو “عدم معرفة بها”، فهي بحاجة إلى فعل يرتقي بها إلى مستوى تحمل و/أو تحميل المسؤوليات على مختلف الصعد.
إن جوهر التدويل يكمن في تحريك فعل التضامن واستدامته والمقصود هو التضامن الشعبي العالمي أولاً، إضافة إلى تحريك المحافل الدولية الرسمية باتجاه تحمل مسؤولياتها. وكلما تواصل واتَسع نضاله فإن حركة التضامن المتجنًدة والمتجددة والمتسعة تقود حراكا في بلدانها أو مناطقها وداخل مجتمعاتها، وتشكِّل ضغطاً مؤثرا على حكوماتها وبرلماناتها وإعلامها وعلى الهيئات الدولية والمحافل الرسميّة، فيتحرك كلٌّ في مستوى قراره ودوره للتأثير باتجاهين: الأول، هو دعم الضحية وتدعيمها وتعزيز الأمل لديها بالانتصار وتحقيق الأهداف، والثاني، إضعاف الجهة الظالمة المحتلّة العنصرية الاستعمارية وعزلها وفرض العقوبات عليها ونزع شرعيتها وصولاُ إلى تفكيك منظومتها القمعية البنيوية وإحقاق حقوق الشعب الضحية اعتمادا على نضاله التحرري وعلى الشرعية الدولية.
تحديد الهدف: تحرير الأسرى
إن هدف العمل هو تحرير الأسرى؛ كون قضية حريتهم تشكل عموداً أساسيا في المسيرة التحررية لشعبنا. وكل فعل ينبغي أن يحوّل المعاناة الفلسطينية والتعاطف معها إلى طاقة فعل شعبي منظمة وهادفة، وإلى أولوية على جدول أعمال كل مسارات إدارة الصراع مع إسرائيل، وكل فعل يجب أن يستثمر بالكامل بشكل يصب في بوتقة النضال والتضامن إلى جانب الفلسطينيين.
وفي سياق تحديد الهدف، ينبغي التحذير من خطورة الخطاب الرسمي الفلسطيني السائد، الذي مفاده أن “لا توقيع على اتفاق سلام نهائي مع إسرائيل قبل إطلاق سراح الأسرى من السجون الإسرائيلية”. حيث يشكل هذا التوجه آلية لتأجيل وإرجاء تحرير الأسرى وتهميشها ضمن المشروع الفلسطيني إلى أجل غير محدد وغير منظور. على الرغم من أن تحرير الأسرى يعني تحريرهم الآن- أو هدف تحريرهم الآن-. وبالإمكان مثلا تحديد العام 2012 ليكون عام إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين والعرب، وتحويل ذلك كعامل موجّه لكل الأنشطة والحملات الفلسطينية والعربية والدولية بشأن القضية الفلسطينية.
لو القينا النظر على إسرائيل والرؤية الإستراتيجية لديها حول الصراع، فاننا نلاحظ أنها دولة أو كيان صاحب قوة كبيرة – بالمعنى المادي- ودولة مؤسسات متماسكة إلى حدّ كبير. كما هي دولة عدوانية وكيان استعماري عنصري، مع هذا نجدها تدير من جانبها صراعاً دولياً، وبالذات أمام هيئات الأمم المتحدة، ونراها تطرح رؤيتها على أنها هي الطرف الضحية – بمعنى ضحيّة ضحاياها- كما لو كانت هي التي تعاني من “العنف الفلسطيني”. فهي تطلق على المقاومة الفلسطينية ونضال الشعب الفلسطيني “إرهابا” لتدرجه ضمن ما يسمّى “الحرب على الإرهاب” مخفية بذلك حقيقة أنها تشكّل إحدى أكبر عناصر إرهاب الدول في العصر الحديث. كما أنها تُخرِج الموضوع من سياق الغبن التاريخي والحق الفلسطيني، وتسعى باستمرار إلى إلصاق تهمة “اللاسامية” بكل من ينتقدها، وإلى صيغة معسكر “الاعتدال” في المنطقة العربية حيث تطرح ذاتها ضمنه وذلك مقابل معسكر “التطرف” -والمقصود به الموقف المناهض لإسرائيل أو للهيمنة الأمريكية الامبريالية في المنطقة-.
إن إسرائيل اليوم تستخدم تحالفها المفروغ منه مع الولايات المتحدة وبالأحرى الدعم المطلق من الأخيرة، وتواطؤ الكتل الكبرى وبالذات الاتحاد الأوروبي، في منع اتخاذ إجراءات فعلية ضدها، لتجنب معاقبتها أو مقاطعتها. كما تستفيد من بعد آخر وهو الضعف العربي ومن ضمنه الضعف الفلسطيني الرسمي الصارخ.
كما أن المراقب للثورات العربية يجدها قد فرضت تحوّلات عميقة في المنظومة العربية الرسمية، ولا تزال تفاعلاتها جارية، وستخضع لامتحانات كثيرة للبرهنة على أثرها. وأعتقد أن هناك صوتا جديداً بدأ يُسمع من الجامعة العربية. وأحد تجليات ذلك هو مطالبة الجامعة العربية والمجموعة العربية مجلس الأمن الدولي مؤخرا بفرض حظر على الطيران الحربي الإسرائيلي فوق غزة، على غرار الحظر الذي فرضته المنظومة الدولية على نظام القذافي في ليبيا قبل سقوطه. وهذه المطالبة من قبل الجامعة العربية تؤشر على تحوّلات باتجاه تطبيق الإمكانية القائلة بأن تكون الجامعة العربية إطارا فعالاً لحماية الشعب الفلسطيني وحقوقه.
العقبات الفلسطينية لعملية التدويل:
تشكل إسرائيل مثالا هاما لكيفية إجادة استخدام التناقضات القائمة داخلها، وكذلك الاستفادة من دور وتأثير الحركة الصهيونية العالمية. فهي تجنّد المنظمات الصهيونية واللوبي الصهيوني في أروقة مواقع اتخاذ القرار الدولي- الإدارة الأمريكية والكونغرس وحكومات الدول الكبرى والأمم المتحدة-، كما تجنّد آلة الإعلام الإسرائيلي إلى جانب المعارضة الرسمية في الكنيست واللوبي الاستيطاني في مستعمرات القدس والضفة الغربية والجولان. حتى أنها تقوم باستخدام انتهازي للتنظيمات المناوئة لسياساتها، وبوجه خاص المؤسسات الحقوقية المناهضة لممارسات الاحتلال، في سبيل أن تظهر إسرائيل ذاتها أمام العالم، على أنها تتسم بالديمقراطية وأنها خاضعة للرقابة الداخلية من قبل هذه المؤسسات، إضافة إلى الصفة الرقابية التي تمثلها المحكمة العليا. كما تقوم إسرائيل بمحاولة تجيير مناهضة فلسطيني الـ 48 لجوهرها وسياساتها لتقمعهم محليا ولتتظاهر أمام العالم بأنها دولة تسامح وتحترم المجموعات القومية والاثنية و”الأقليات”.
إضافة إلى ذلك، نجدها تطرح ذاتها ضمن الدول المتطورة وما يسمى ب”الأمم الراقية” الغربية، وهذه نظرة عنصرية استعمارية في مجملها، لكنها مقبولة ومعمول بها ضمن المنظومة الدولية المهيمنة. كما تقوم إسرائيل بعملية تسويقية واسعة بشأن المعاناة الإسرائيلية، وخير مثال على ذلك تحويل قضية أحد جنود الاحتلال الذي وقع في الأسر الفلسطيني، إلى حالة إنسانية، في حين تطالب العالم بالتعامل مع/ والنظر إلى سبعة آلاف أسير حرية فلسطيني على أنهم “إرهابيون”!
ولو أمعنّا النظر في الخطاب الفلسطيني الرسمي في المحافل الدولية، يُسأل السؤال: لماذا يقوم صاحب الحق والضحيّة بتبني إستراتيجية تبريريّة لدفاع الفلسطيني عن حقه، ولماذا المخاطبة الاعتذارية! متى دافع الصوت الفلسطيني الرسمي في أروقة الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو حتى الجامعة العربية عن الحق والواجب الفلسطيني بمقاومة الاحتلال والاستعمار والاقتلاع بكافة أشكال النضال؟ وبأي حق يطرح مثلا مسؤول رفيع في السلطة الفلسطينية مسألة “التحريض المتبادل” ويصرّح على الملأ بأنه يطالب إسرائيل بتفعيل دور “لجنة منع التحريض” المشتركة مع إسرائيل. وكيف يمكن لمسؤول فلسطيني، يقع مجمل شعبه تحت نير الاستعمار والتشرد واللجوء والأسر، أن يقبل بمثل هذه المعادلة التي تساوي بين الظالم المعتدي المحتل وبين الضحية.
إن هذا يعيدنا إلى قضية الأسرى. فإن كان الموقف الرسمي الفلسطيني على الساحة الدولية هو “إدانة العنف” والتنديد بعمليات مقاومة الاحتلال، وفي المقابل التنسيق الأمني مع المؤسسة الإسرائيلية، فأية رسالة هي هذه للأسرى القابعين في السجن الإسرائيلي منذ عشرات السنين والذين ساهموا في النضال التحرري ويدفعون ثمن نضالهم! ألا يتناقض الخطاب الرسمي الفلسطيني مع حال هؤلاء الأسرى كأسرى حرية وأسرى تحرر وطني وأسرى ضمير وحق؟!
هناك قاعدة مفصليّة ومصيرية في عملية التدويل، وهي أن العالم رسميا وشعبيا لا يتفاعل- إن تفاعل- إلا مع رسالة واضحة ومتماسكة منطقيا. رسالة متجانسة بين المستوى الرسمي الفلسطيني والشعبي والمجتمع المدني والحركات الاجتماعية الشعبية، وكل ذلك مع حركات التضامن والمناصرة. وذلك حرصاً على ألا تنقلب على ذاتها، كما وقع في إحدى التجارب المؤلمة والمحبطة لحركة المقاطعة الأكاديمية والثقافية للجامعات الإسرائيلية في المملكة المتحدة، حيث جاءت كتصعيد استراتيجي غير مسبوق في دور وأثر حركات التضامن، وفي الأسبوع عينه، قامت جامعة القدس-أبو ديس- بعقد اتفاقية تعاون مع الجامعة العبرية الإسرائيلية في القدس، بحيث شكل هذا العمل عملية طعن صريحة لانجازات حركة المقاطعة لإسرائيل والتضامن مع الحقوق الفلسطينية.
العلاقة بين الجهد والهدف
ما من شكّ بوجود طاقات كبيرة وجديّة تبذل شعبياً ورسمياً، ونتاج هذه الجهود هو إبقاء الموضوع على جدول أعمال المجتمع الفلسطيني وتحوّله إلى جزء أساسي في ثقافة المقاومة والصمود والحرية المتجذِّرة في ضمير الشعب الفلسطيني. كما تشكّل مساندة ضروريّة لعائلات الأسرى وللمجتمع في مجمله. لكن مجرد بذل الجهد لا يعني الاقتراب من الهدف – أي تحرير الأسرى-، بل أن الجهد المنظم والهادف يقرّبنا من الهدف. وهذا بدوره يحيلنا إلى الإقرار بان موضوع الأسرى ليس رومانسيا في جوهرهً ولا ينحصر في الحديث عن البطولات والأسطورة، فهذا جانب واحد لا أكثر. إنما الأسير هو إنسان قبل أي شيء، ومن هنا تبرز قيمته المعنوية وقضيته الإنسانية. إنه إنسان بكل نقاط القوة والضعف لدى الإنسان المقاوم. وكي نحقق الحرية له، هناك حاجة إلى تحديد مسار الطريق الذي يوصلنا إلى الهدف بشكل مضمون وبأسرع وقت ممكن. هنا ترجمة الوقت تعني حياة الناس، وهي آلاف مؤلفة من السنين؛ هي مجموع ما قضاه ويقضيه الأسرى في سجون الاحتلال.
هناك أهمية كبرى للرسالة والخطاب الفلسطيني كما ذكرنا، ونحن كشعب وحركة أسيرة نملك العدالة كأساس لقضيتنا وعلينا أن نعزّزها ونحوّلها إلى قوة محرّكة فلسطينيا وعربيا وعالميا من خلال اعتماد “خطاب الحقوق” و”خطاب الكفاح والأمل”. هذه مسؤولية فلسطينية عليا، وليس غريبا أن إسرائيل والولايات المتحدة تسعيان لوضع كل ثقلهما لمصادرة هذه الأبعاد من الخطاب الفلسطيني لأنها الأبعاد التي من شأنها خلق جملة من التحوّلات في الموقف ما بين الجلاد والضحية، كما أنها تعبر عن توجه هام في تحريّك وإلزام المنظومة الدولية بتحمّل مسؤوليتها المتعلقة بوقف الانتهاكات المستمرة لحقوق الفلسطينيين واستمرار التنكر لها.
كما إن أحد الأسئلة التي تطرح أمام السلطة الفلسطينية في الضفة والقطاع وأمام منظمة التحرير الفلسطينية، يكمن في التساؤل حول الحيز الذي يتمتع به موضوع الأسرى أمام المحافل الدولية والأمم المتحدة وأمام إسرائيل كذلك، كأولوية فلسطينية أولى. وهنا لا أرى سبيلاً لتبرير عدم طرح هذه القضية على ساحة الصراع المباشر، كقضية محورية، لا يصح تجاهلها، كما لا يمكن إحراز تقدم ملموس دونها!. لكن للأسف مجددا؛ فان الموقف الفلسطيني الرسمي بأعلى مستوياته يقول: ” لا توقيع اتفاق سلام نهائي مع إسرائيل قبل إطلاق سراح الأسرى”، وهذا عمليا يعني إرجاء موضوع الأسرى إلى أجل غير مسمى بدل أن يتم التمترس الحاسم لصالح هذه القضية كأحد المعطيات الثابتة ضمن لائحة الحقوق الفلسطينية.
حول أي صفقة تبادل وإدارة لصراع:
لا تستطيع أية صفقة تبادل أن تضمن وحدها تحرير الحركة السيرة. كما لا يجوز الركون إلى صفقة موعودة على أنها “العصا السحرية” لإنهاء هذه المسألة. كما ومن الجدير ملاحظته أن إطلاق سراح الأسرى ليس مسألة قانونية إسرائيلية، والمؤسسة القضائية لدولة الاحتلال هي مؤسسة قضائية في خدمة الاحتلال والعنصرية والملاحقات السياسية وتبييض جرائم الاحتلال. وبالطبع ليست مسألة نتوقع حلّها من خلال قرار الكنيست الإسرائيلي، فالمؤسسة السياسية الإسرائيلية الرسمية والبرلمانية والشعبية والقضائية ترى أن أسرى الحرية “يتمتعون بحقوق وامتيازات أكثر من اللازم ” في حياتهم اليومية في السجن الإسرائيلي، فكم حري لو تحدثنا عن تخفيف أحكام وتحديد أحكام بالمؤبد وإطلاق سراح الأسرى. لكن في المقابل علينا تأكيد القناعة الداخلية أن المؤسسة الإسرائيلية هي لاعب أساسي لكنها هي أيضا متغيّر يخضع للتفاعل مع شكل قوة الفعل الفلسطيني.
ومن المركزي النظر إلى أن موضوع الأسرى لا زال قائماً في صلب الصراع، وتوازنات القوى هي التي تحسمه. أضف إلى ذلك أن ثورات شعوبنا العربية لا بدّ أن تؤثر جذريا على توازنات القوى وقواعد إدارة الصراع. فيأتي التدويل في هذا السياق بمعنى كسر قواعد اللعبة المهيمنة لغاية الآن والتحرر من سطوتها. بيد أن ضعف النضال الشعبي أو تراجعه إلى جانب الدور الرسمي القيادي، إنما يؤثر سلباً ويؤدي إلى وضع فيه “خيار الصفر” لدى الأسرى. وهو الصيغة الثنائية غير الواعدة القائلة بـ: إما إضراب عن الطعام للأسرى أو لا إجراءات مواجهة جدية. وهذا بحّد ذاته لا يضمن بالضرورة تحقيق أهداف مرحلية أو انجازات، وليس بالضرورة آليّة تقرّبنا من تحقيق الهدف الأساس ولا حتى الانجازات. وهنا تظهر الحاجة إلى بلورة وإبداع في الأساليب النضالية للحركة الأسيرة، بحيث تكون أكثر ارتباطا وفعالية بتحقيق المرجو الاستراتيجي من هذه النضالات. ونظرا للصعوبة التي تطغى على صورة الحديث في هذا الاتجاه، فان الإرادة السياسية الواعية والصلبة إلى جانب الفعل الجماعي الموحد، تشكلان طوقاً لإنقاذ نضالات الأسرى وإنهاء الحيف الواقع بحقهم كبشر، وكأسرى حرب. كما تلح الحاجة لتخطيط واقعي مترابط وفعل متزامن ما بين داخل أسوار السجون الإسرائيلية وخارجها على أساس تكاملي. وهذه مسؤولية الحركة الأسيرة، بل مهمة مجمل الشعب الفلسطيني بمؤسساته الشعبية والرسمية.
المجتمع المدني:
هناك كَمٌّ كبير وتشكيلة واسعة من منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني الفلسطينية والعربية والدولية التي تملك المصداقية والجدارة، ولها باعٌ طويل، ورصيد غني في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية، وبالطبع من جملة ذلك قضية الأسرى. وهي قادرة على لعب دور فعال، ولا ننفي أنها تقوم بذلك، مقابل هيئات الأمم المتحدة ولجانها التخصصية، وكذلك مقابل مجلس حقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي الاجتماعي ولجنة الأمم المتحدة لحماية المدافعين عن حقوق الإنسان ولجنة الأمم المتحدة الخاصة بحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، وكذلك المحكمة الجنائية الدولية وأجهزة قضاء أوروبية؛ لملاحقة ومحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين، إضافة إلى لجان تقصي الحقائق حول انتهاكات الاحتلال، ولجنة مناهضة كافة أشكال التمييز العنصري، إضافة إلى دور هذه المؤسسات في مؤتمرات الأمم المتحدة والتي يشكل المؤتمر الدولي ضد العنصرية – مؤتمر ديربن 2001 – ومتابعته الدوريّة 2009- احد أهمّها وأكثرها إنجازاً. كما أن هذه المؤسسات تلعب دوراً ملموساً وبارزاً ومؤثراً بشراكاتها مع المنظمات الحقوقية الدولية والمؤسسات العاملة في قضايا اللاجئين والمهجّرين وقضايا الأرض والمسكن. كما أنها تلعب دوراً آخذاً بالتعاظم ضمن الحركة الاجتماعية العالمية والمنتدى الاجتماعي العالمي بوصفه أوسع حركة شعبية عالمية قائمة على مبدأ العدالة والكرامة الإنسانية والتوزيع العادل لخيرات الشعوب والعالم، إضافة إلى مناهضة العدوانية الامبريالية واللبرالية الجديدة في سعيها للهيمنة على الشعوب. كما تلعب المنظمات المجتمعية الفلسطينية دوراً رياديّاً وفعالاً ضمن وفي مؤازاة الأطر والتكتلات الدولية التي يبرز دورها بشكل خاص مقابل الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي وأطر المجتمع المدني، وأهّمها الشبكة الاورومتوسيطة لحقوق الإنسان والمنبر الاورو-متوسطي للمنظمات غير الحكومية، حيث تسعى من خلالهما إلى تحدّي الدور الأوروبي الرسمي وإلزامه باحترام تعهداته المعلنة في اتفاقيات الشراكة وحسن الجوار والائتلاف المتوسطي، التي وبحق، لا تشكل إطاراً يتجاوب مع الحلم الفلسطيني، لكنه إطارا مُلزِم للاتحاد الأوروبي كي يتراجع عن سياسته المزدوجة والتذيّل للموقف الأمريكي وتعميق العلاقة مع إسرائيل رغم انتهاكاتها لكافة الحقوق وللشرعية الدولية. كما وتعمل المنظمات الفلسطينية بالتعاون مع نظيراتها الأوروبية وحركات التضامن والجاليات الفلسطينية والعربية والإسلامية للضغط في سبيل تحقيق تغيير في السياسات لصالح الحقوق الفلسطينية. كما تقوم هذه المنظمات بخلق شبكة علاقات في مختلف أنحاء العالم، على وجه خاص في أوروبا والولايات المتحدة. إلا أن هذا لا يعني إغفال أو تجاهل التحذير والانتقاد للقصور الكبير في عملها مقابل منظمات المجتمع المدني في بلدان “العالم الثالث” وبالذات في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. والقصور الكبير أيضا في العلاقة التكاملية المفترضة مع البعد العربي الإقليمي، وهو موضوع جدير بالتوسع والتعمق به.
إن دور الممثليات الفلسطينية المأمول هو تسهيل العمل والاستفادة من الطاقات المجتمعية وتوفير بنية ودعم رسمي فلسطيني وعربي ودولي لصالح ما تطرحه منظمات المجتمع المدني، على أساس التكامل بالأدوار. إن المطلوب هنا يتمثل في نموذج اللا-مركزة والتكامل والتنسيق. وللأسف فقد حدث أن جرى تعطيل وتناقض بالأدوار وبالصوت السياسي بين المستويين الرسمي وغير الرسمي بذات الشكل. وبالذات عند الحديث عن حملات مثل الحملة الفلسطينية الدولية لمقاطعة إسرائيل وفرض العقوبات عليها وسحب الاستثمارات منها، في حين عارض ذلك ممثل المستوى الرسمي الفلسطيني بحجّة المفاوضات مع حكومة إسرائيل (أولمرت). كما وجرى ضد مبادرة للمجتمع المدني الاسباني والفلسطيني عام 2008 و 2009 لعقد مؤتمر حول “السلام العادل” الداعم لمجمل الحق الفلسطيني بالعودة وتقرير المصير ومناهضة الصهيونية والعنصرية الاستعمارية وقد جرى لأشد الأسف؛ التقاء مصالح بين الممثل الفلسطيني وممثلي مؤسسات إسرائيلية خطيرة مثل “مؤسسة شمعون بيرس للسلام” على حساب دعم واعتماد المجتمع المدني الفلسطيني وحلفائه الأسبان. في الوقت عينه يتضح أن المجتمع المدني المستقل، متحرّر أكثر من المستوى الرسمي الفلسطيني، وسقف مطالبه أعلى، والمتوقع هنا أن يدعم المستوى الرسمي دور المجتمع المدني والاستفادة منه، لا العكس. فسقف مطالب المجتمع المدني هو الحقوق الفلسطينية كما هي، وسقف مطالب المستوى الرسمي هو الاتفاقيات الملزم بها.
عندما يتم التوصل إلى النقطة المرجعية الثابتة ُالجامعة لحركات التضامن العالمية والمنظمات الأهلية الفلسطينية والعربية، على أن إسرائيل هي كيان استعماري عنصري يجب عدم التطبيع معه ومقاطعته، فهذه فرصة للمستوى الرسمي الفلسطيني وليست عقبة كما يجري التعامل معها. فهي رافعة للنضال والمطالب ضمن مستوى الحديث المنطلق من الحقوق الفلسطينية وضمن القانون الدولي والشرعية الدولية، لكنها ترى نفسها متحرّرة من إسقاطات توازنات القوى المفروضة والقامعة للحق الفلسطيني. وعليه فان مهمة التدويل تتطلب هيئة تنسيق وطني يشارك فيها المستوى الرسمي والشعبي والمجتمع المدني، وعمليا يفترض خضوعها وانبثاقها من الشعب الفلسطيني في فلسطين التاريخية والشتات. وهناك تكامل للأدوار على أساس رؤية جماعية بأن جوهر القضية الفلسطينية هو واحد، وجوهر إسرائيل واحد، وهما منفصلان، بل متناقضان، أي ليس دولة احتلال في الضفة والقطاع ودولة عنصرية في الداخل ودولة اقتلاع وتطهير عرقي تجاه اللاجئين بل هي دولة استعمارية عنصرية قائمة على التطهير العرقي والاستعمار العنصري- وهذه هي طبيعتها الواحدة.
إسقاطات إستراتيجية ما بين التأجيل والإرجاء:
هناك قضايا جوهريّة لا تحتمل التأجيل أو الأرجاء، أو حتى جدولتها ضمن عملية إدارة الصراع من اجل إحقاق الحق الفلسطيني. وليس من حق أي مسؤول فلسطيني أو مفاوض أن يقوم بتأجيلها أو تفضيل البت ّبمركبات معينة للحق الفلسطيني على حساب مركبات أخرى. حتى وان لم تكن نتائج إدارة الصراع حولها متزامنة. وقد تظهر الحاجة لإعادة تقييم فلسطيني وعربي جمعي لمجمل إستراتيجية الحل المرحلي وأثرها على مفهوم الحق الفلسطيني والنضال لإحقاقه. كما أن التحولات في العقدين الأخيرين تؤكد على مأساوية اتفاقيات أوسلو وإسقاطاتها على تجزيء الحق الفلسطيني وتحويل كل حق فلسطيني جوهري إلى رهينة للتنازل عن مرّكب جوهري آخر للحق أو للمقايضة به، رغم أن الإجماع الوطني الفلسطيني ضمن م. ت.ف اعتمد حل الدولتين والعودة وتقرير المصير كحل مبني على الحدّ الأدنى للحقوق الفلسطينية. لكن اتفاقيات أوسلو أدت إلى تشظية حتى هذا الحد الأدنى. المركبات الجوهرية للحق الفلسطيني والتي لا يقبل تأجيلها أو المفاضلة بينها؛ تتمثل في عودة اللاجئين وإنهاء الاحتلال وإطلاق سراح الأسرى وتقرير المصير ومنع تهويد الوطن وبالذات في الجليل والنقب واقتلاع أهله وإلحاق الهزيمة بالعنصرية الاستعمارية البنيوية الإسرائيلية وحماية الشعب الفلسطيني من موجة التطهير العرفي المستمرة منذ ما يقرب السبعة عقود. فيترتب على ما سبق أن أي مشروع تجزيئي للقضية الفلسطينية، إنما يتناقض مع الحقوق الفلسطينية وشرعيّتها؛ فلا يحق لنا كشعب أو قيادات أن نطالب العالم اليوم بمقاطعة منتجات المستوطنات الاستعمارية وبعد فترة أو مرحلة نطلب ذات المطلب كي يضغط العالم معنا لفك أسر الأسرى ولاحقاً لإطلاق حملة مقاطعة جديدة لإلزام الكنيست الإسرائيلي بإلغاء تشريعات عنصرية استعمارية، وبعد هذا يصل دور حق العودة وإحقاقه في آخر “جدول الأعمال التاريخي” لإدارة الصراع. فكل المركبات المذكورة هي جزء لا يتجزأ من الحق الفلسطيني المسلوب ومن حق تقرير المصير، وكل الانتهاكات لهذا الحق هي جزء لا يتجزأ من جوهر الممارسة الإسرائيلية الاستعمارية العنصرية الواحدة.
ولدى الحديث عن التدويل؛ من الأهمية إدراك أن اعتماد موضوع واحد كأولويّة، قد يبدو في المدى القريب قد أحرز مردوداً دبلوماسيا لا على ارض الواقع – كما هو التمحور في قضية المستوطنات الاستعمارية في الضفة والقدس، مثالاً- بل يعكس محليا وعالميا نوعا من الاستثناء أو التراجع تجاه كل مركّب للحق لا يخضع للأولوية التي حددتها القيادة المتنفذة بناءً على اعتبارات يتسع تأويلها. إن الحملة الفلسطينية الرسمية لمحورة أنظار العالم حول المستوطنات، تحمل رسالة شئنا أم أبينا، مفادها ذو أولويّة أعلى من موضوع الأسرى وإطلاق سراحهم، وإلاّ فما تفسير الاعتماد الانتقائي للأولويات. فلم نسمع ولم نشاهد المفاوض الفلسطيني يهدّد يوماً بوقف المفاوضات مع إسرائيل إذا لم يتم تحرير الأسرى، أو حتى مجرد وضع جدول زمني لتحريرهم، أو إثارة الموضوع على جدول أعمال مجلس الأمن. وهذا يأتي نتاج قرار سياسي فلسطيني أو تغييب قرار سياسي حازم حتى ضمن توازن القوى المهيمن إقليميا وعالميا. وهذا بدوره يؤكد -للأسف- على مأساوية الواقع المنبثق عن اتفاقيات أوسلو في جوهره وتطبيقه، حيث كل ما تمّ اعتماده كقضية “مؤجلة” ضمن الحق الفلسطيني لا زال مؤجلاً، وباعتقادي سيبقى مؤجلاً ضمن المرجعية السياسية المستندة إلى اتفاقيات أوسلو. هكذا هو الأمر بالنسبة للاجئين والمهجَّرين وهكذا بالنسبة القدس، ناهيك عن التسليم الرسمي الفلسطيني بفلسطيني الـ 48 كما لو كانوا وفق الفرية الإسرائيلية قضية داخلية. ولا حاجة للتأكيد على أن فلسطينيي الـ 48 يقاومون هذه المعادلة، ضمن الإمكانات المتاحة لديهم.
كما وتدل التجربة أن لا موقف مبدئي لدى إسرائيل بشأن إطلاق سراح أسرى قاموا بعمليات سقط فيها إسرائيليون؛ بل أن الوضع خاضع لتوازنات القوى. وهكذا بالنسبة إلى أسرى فلسطين من سكان القدس والـ 48. إن توازن القوى ليس معطىً فحسب، بل متغيّر ويخضع إلى حد كبير لمستوى الكفاح الفلسطيني التحرري الشعبي والقرار السياسي الرسمي والإرادة الفلسطينية ككل. وفي حال غابت أو تراجعت هذه العوامل، فان هذا من شانه خلق حالة خلل في التوازن لصالح إسرائيل، والعكس بالعكس. كما أنّ كل حالة ضعف فلسطيني رسمي أو شعبي، تنعكس من خلال حالة إحباط على الأسرى وعائلاتهم أولاً. كما ستكون نتيجته القبول بالاملاءات الإسرائيلية التي مفادها تجزئة الحركة الأسيرة على أساس جغرافي سياسي، وفرض وضعيّات متفاوتة على الأسرى وعائلاتهم حسب مناطق جغرافية (فلسطينو الـ 48، القدس، الضفة، قطاع غزة، الجولان) وهكذا. كما أن أية صفقة تبادل أسرى ستُوَقَّع وتقبل بهذه الوضعيات وتسلّم بالتجزئة، تكون رغم الانجاز الذي تحققه قد ألحقت أيضا ضرراً استراتيجيا بالنضال الفلسطيني وعمليا بالحقوق الفلسطينية. وهذا ينبغي أن يكون ثابتا وطنيا فلسطينيا مبدئيا نُمليِِه على إسرائيل ولا نقبل أملاءاتها علينا كشعب يناضل في سبيل تحرره وتقرير مصيره.
هناك حقيقة مثيرة ومؤلمة في آن معاً؛ تفيد بوجود تمييز بنيوي فلسطيني داخلي، وحالة التمييز هذه مردّها إلى اتفاقيات أوسلو وإلى ما سبقها من نهج هيمن على م.ت.ف منذ أواسط الثمانينيات من القرن العشرين. فنجد أن السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير اليوم تعتبر حدود الدولة الفلسطينية وحدود المسؤولية الفلسطينية العليا هي حدود 1967 وليس 1948. إلا أن النضال الشعبي بطبيعته غير خاضع لاتفاقيات مثل أوسلو ولا لتوازن القوى الذي لا يزال مهيمناً في المنطقة. وفي إدارة الصراع بين شعب في مواجهة دولة احتلال استعمارية لا حاجة إلى تعادل القوّة بين طرفي الصراع، بل الحاجة الضرورية هي السعي إلى حالة تصبح فيها دولة الاحتلال غير قادرة على مواصلة قمعها أو الاستفادة منه (مقابل الخسارة) أو ضمان استدامته والتحكم بقواعد اللعبة. ويصبح الشعب الضحية غير مستعد للقبول بقواعد اللعبة إياها وغير مستعد للقبول باستمرار القمع أو الأسر، ومستعد إلى مقاومته حتى دحره أو على الأقل إبطال مفعول قمعه، وهنا نقطة استعادة الحقوق المركزية. وخلاصة الحديث في هذا المضمار أن كل نضال شعبي خارج السجن يقوي فاعلية ومقوّمات نضال الأسرى.
تكامل النضال على جانبي جدران السجن:
محفّز آخر للنضال التكاملي حول جدران السجن (أي الشعبي والرسمي، المحلي والدولي، من جهة ونضال الأسرى داخل السجن من جهة ثالثة)، هو أن يُتاح المجال لهامش نضالي وتأثير أوسع، كما أنه يحرر الفلسطيني من قواعد لعبة السجون بين السجّان ممثلا للدولة ومتمثلا بكل أجهزة القمع والقهر، وبين الأسير الأعزل من كل شيء، إلا من إرادته ونضال شعبه. كما أن النضال المتزامن على عدة جبهات داخل السجن، وشعبياً ومحليا ودوليا وحقوقيا وإعلاميا خارجه، من شأنه أن يوفّر إمكانيات وآفاق نجاح أكبر. كما من شأنه أن يضاعف الأثر ويجعل الحالة مُنهِكَة لدولة الاحتلال والقمع، أو على الأقل لها أيضا وليس فقط للأسرى. كما أن تعدد الجبهات وتزامن أشكال ومواقع مختلفة من النضال من شأنه أن يقلِّص نسبة المخاطرة أو المجازفة. لكن وكما ذكرت سابقاً فان الهدف الكبير والأساس فيما يتعلق بالأسرى هو حريتهم، وهذا يحتاج إلى جبهتي نضال متكاملتين داخل السجن وخارجه.
______________________________________________________