Sunday, February 5, 2012

تصالحت الفصائل.. فهل تتصالح مع القضية"


أمير مخول
وأخيرا شاهدنا طقوس المصالحة بين حركتي "حماس" و"فتح". فبعد سنوات من القطيعة والصراع، مسحت الطقوس مفردات الصراع من على شاشات التلفزيون وأحلَّت مكانها مفردات التآخي. كما مسحت الطقوس ذاتها مسألة المسؤولية عن الضرر الذي ألحقه الصراع الداخلي وحالة الانقسام التي ولّدها في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأثره على الحالة الفلسطينية العامة. فالمصالحة ضرورية لكن أيضا المسؤولية ضرورية.
إنه لمن غير المقبول أن يتم إضفاء طابع أشبه بالقدسيّة على المصالحة وعدم التعامل مع مسبباتها. فكان متوقعا أخلاقيا الاعتذار للشعب الفلسطيني وكذلك إظهار ضمانات لمنع تجدد حالة الانقسام والصراع. وكأن الشعب الفلسطيني مجرّد مشاهد وليس مصدر الشرعيّة لكل القيادات والأطر القيادية بما فيها م. ت.ف. وقد أحسنت الصحفية عميرة هاس صنعاً حين أشارت الى "التنازل الفلسطيني الكبير" بأنه تنازل القيادة عن قوة الشعب ونضال الشعب التحرري ومرجعيته لها. وكل هذا لا يلغي الفرحة الفلسطينية الشعبية الحقيقية والزخم المعنوي لمثل هذا التحوّل.
في وضع طبيعي فإن مثل هذا الصراع- حتى حين ينتهي بمصالحة- من شأنه أن يخضغ لعملية نقد ومحاسبة شعبية سياسيّة. ولا يجوز المرور على ما جرى مرّ الكرام وكأن شيئاً لم يكن. ونتيجة لضعف ومحدوديّة التيارات الوطنية الأخرى فإن الصراع بين حركتي فتح وحماس تحوّل الى انقسام داخل جهاز السلطة الفلسطينية في الضفة والقطاع.
حقيقة هي، ان هذا الصراع قد احتدّ وأصبح تناحرياً على خلفية انتخابات المجلس التشريعي ضمن السلطة الفلسطينية في العام 1996 وفوز حركة حماس الواضح بالأغلبية، والمسعى الدولي وحتى لدى أوساط فلسطينية وعربية الى عدم التسليم بنتائج الانتخابات بل رفضها ومحاولة نزع شرعية المنتخَب (بفتح الخاء) بعد انتخابهم. كما أنها عكست  فجوة جوهرية في استراتيجيات الكفاح الفلسطيني وإدارة الصراع والانقسام. لكن باعتقادي ان وراء هذا الصراع كان عاملان أكثر جوهريّة وهما: الأول- هو الهيمنة الأمريكية على المنطقة وعلى القرار الفلسطيني الرسمي وذلك بمساعدة نظام مبارك البائد في مصر، وكذلك إسرائيل كعامل محتل ومهيمن؛  والآخر هو ذو صلة، وهو الحسم الاستراتيجي الفلسطيني الرسمي بقبول إطار اتفاقيات أوسلو المنتقص من الحق الفلسطيني والمناقض بنيوياً لنهج الكفاح التحرري وإستراتيجية المقاومة لإحقاق الحق الفلسطيني. كما أن النهج الفلسطيني السائد المهيمن في السلطة ومنظمة التحرير علميا قد أسدل الستار- من وجهة نظره على الأقل-  على مشروع التحرر الوطني الفلسطيني الشامل بحدود الحق الفلسطيني والاستعاضة عنه بخارطة طريق لبناء دولة لجزء من الشعب الفلسطيني ويكون الثمن التنازل عن مركبات جوهرية من الحق هي في صميم وجوهر الصراع وكذلك تفكيك مسبق لأدوات إدارة الصراع وبالذات النيل من شريعة المقاومة، والاستعاضة عن ذلك بخيار واحد هو التفاوض والتفاوض ضمن اطار أوسلو وتبعاتِه من خارطة الطريق الأمريكية الإسرائيلية، والمبادرة العربية للجامعة العربية حيث إنتقص كلاهما من جوهر الحق الفلسطيني وعلى حسابه، بل خلق حالة أشبه بالتناقض والتنافر الداخلي بين مركبات الحق الفلسطيني. كما أن الهيمنة الأمريكية حالت دون اتخاذ اي قرار باتجاه تبني إستراتيجية فلسطينية عليا متعدّدة الخيارات الضرورية لاستعادة الحق الفلسطيني. ومع هذا نريد لهذه المصالحة بين حماس وفتح أن تدوم وتتعمق وتشكل حالة مريحة للشعب الفلسطيني ومحفّزة لإطلاق طاقاته التحررية.
لكن وبنظرة للوراء، فإن الصراع والانقسام والمصالحة تحوّلت الى عملية إلهاء للشعب الفلسطيني ليلعب فيها سنوات على ساحته الداخلية وعلى حساب الصراع الجوهري مع إسرائيل. والى حدّ ما فإن شعار "الشعب يريد إنهاء الانقسام" ورغم صدق مردديه من الأوساط الشعبية، فإن فيه إلهاء عن جوهر الصراع. فلم يسمح لهذا الشعب أن يعبِّر عن إرادته ميدانيا وأن يطلق طاقاته الحقيقية خلال العدوان الإجرامي على شعبنا في غزة. ولم يتردد شعار "الشعب يريد إعادة لاجئيه الى بيوتهم ووطنهم" وتحويل ذلك الى مشروع فعلي، ولم يتردد شعار "الشعب يريد تحرير أسراه الآن" ولم يطرح شعار "الشعب يريد توحيد قضيته" أو "شعب واحد قضية واحدة". بل أن المصالحة رغم ما فيها من طقوسيّة وكذلك رغبة حقيقية وحاجة ضرورية لتجاوز حقبة الصراع والاقتتال الداخلي، فإن خطاب الوحدة لم يأت بأية بشارة بشأن برنامج الوحدة، بل كيف نفسّر الصيغة الالتفافية على حق العودة وعلى العودة كمشروع والاستعاضة عن ذلك بالصيغة الإشكالية "على أساس الشرعية الدولية والقرار 194" وتجاهل التدخّل المباشر من قبل القائد نايف حواتمة والذي دعا رئيس م. ت.ف أبو مازن الى تأكيد حق العودة. ناهيك أن الخطاب تحدّث عن تبني المبادرة العربية والتي تتحدث عن "حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين" والتي تمنح إسرائيل التطبيع. وكيف نفسِّر تلك الجملة " لن نوقع على اتفاق سلام نهائي مع إسرائيل دون إطلاق سراح الأسرى"، فذلك يعني القبول بالتأجيل لهذه المسألة على حساب حياة ومعاناة الأسرى وعائلاتهم بدل اشتراط أي تفاوض بإطلاق سراح سبعة آلاف أسير.
المصالحة بين الفصائل ضرورية ومهمة، لكن ليس كل الشعب الفلسطيني فصائل والقضية الفلسطينية هي ملك ومسؤولية كل الشعب الفلسطيني، وليست ملك الفصائل والأحزاب. وهناك قوى وتيارات لا تندرج ضمن الفصائل واخصّ بالذكر القوى والتيارات والحركات والأحزاب السياسية بين فلسطيني الـ 48 وحقها في التمثيل ضمن المجلس الوطني الفلسطيني وانتخاب لجنة المتابعة العليا ضمن الانتخاب العام للشعب الفلسطيني للمجلس الفلسطيني كمرجعية عامة والمتابعة كمرجعية داخلية في موقعها.
إن الأمر الأساسي الذي لم تجب عليه المصالحة المذكورة هو البرنامج الوطني الفلسطيني وهو الحسم الأهم بشأن القضية الفلسطينية وهو التصالح مع القضية الفلسطينية بكل مركباتها والتعامل معها كقضية واحدة موحّدة لا قضايا- قضية تحرر وطني وأولوياتها تسبق أية اعتبارات أخرى.  والتخلص من إسقاطات استراتيجيات "التأجيل" و"إرجاء" جوهر الصراع الى مؤخرة جدولة إدارة الصراع الوطني التحرري في قضية فلسطين.
لقد أثبتت ثورات شعوبنا العربية وبالذات مصر أن اعتماد حلّ على مقاس توازن القوى القائم أو الذي كان قائماً وعدم القناعة بأن توازن القوى هو متغيِّر لا ثابت، فإن نهجاً كهذا يؤدي الى الاستسلام لمتغيرات وتوازنات قد تتغير في كل لحظة يشهدها البعد العربي لقضية فلسطين. وإذ بدأنا نشهد تحوّلات في ميزان القوى فمن شأنه أن ينسف معادلات الهيمنة الأمريكية الإسرائيلية،   ويعيد للحق الفلسطيني كل الحق- موقعه.
·        هذا المقال كُتِب في  13 أيار 2011 وينشر الآن للمرة الأولى