Friday, November 20, 2009

موقفنا من الصهيونية العالمية نفي شرعيتها لا تطبيعها

أمير مخول

غداة كل مد وطني ومقاومة شعبية فلسطينية في الداخل أصبح متوقعا أن تشن الحركة الصهيونية حملة مكثفة تستهدف هدر ما تراكم من انجاز كفاحي وطني. وتستهدف شراء الذات الفلسطينية وتفريغ هويتها المقاومة (بكسر الواو) والحيلولة دون تناميها.

فمنذ انتفاضة الأقصى على كامل الوطن الفلسطيني ومرورا بهبة الغضب على جرائم الاحتلال الإسرائيلي خلال اجتياحه مدن الضفة الغربية عام 2002 وهكذا في أعقاب مناهضة جماهير شعبنا لعدوان 2006 على لبنان والإسهام في إخفاق أهدافه وبلوغا إلى مجزرة غزة وحصارها بداية العام الجاري، تجري بشكل حثيث مساع منهجية يتكامل فيها دور إسرائيل ودور المنظمات ومجمل الحركة الصهيونية العالمية لاختراق مناعة جماهير شعبنا وإضعافها.

فمقابل قمع الدولة اليهودية الصهيونية تقوم المنظمات الصهيونية العالمية بحملاتها لإغداق الأوهام لا الأموال، وتصدر بياناتها المنمقة بمفردات لبرالية حقوقية شكلا والصهيونية الاستعمارية جوهرا والتي تحذر من انفجار قادم وتدعو إلى العيش المشترك، وبالطبع على الوطن المسلوب منذ نكبة العام 1948 أو على أرضنا في النقب والجليل والتي صادرتها إسرائيل ضمن مخططات تهويد النقب والجليل. لكن هذه الحركة الصهيونية على تياراتها ومنظماتها هي التي تدعم إقامة المستعمرات الإسرائيلية على الأرض العربية المصادرة في منطقة البطوف وهي التي تؤكد أن هدفها الرئيسي هو ضمان دولة إسرائيل "يهودية ديمقراطية". وكلها مجمعة أنها صاحبة البيت في الدولة اليهودية كون هذا الكيان تابع "للشعب اليهودي العالمي" وهو "دولة اليهود".

وان كانت المنظمات الصهيونية العالمية قد عملت بشكل فردي في الماضي لكن جمعها الهدف والرؤية والقيم الاستعمارية، فان ما يميز السنوات الأخيرة أنها انتظمت وأقامت تحالفا ضخما من أكثر من سبعين مؤسسة وشكلت ما يسمى "فريق العمل متعدد الوكالات لشؤون عرب إسرائيل". ولا يخفي هذا التحالف جوهر موقفه ودوره برؤيته يهودية إسرائيل ضمن مسؤوليته واعتبار ذاته حارسا للجوهر "اليهودي الديمقراطي" لإسرائيل..

هذا الأسبوع شهد حدثا قد يصبح مفصليا إذا جرى التعامل معه كبداية مرحلة لا نهايتها. وهذا الحدث هو إفشال المؤتمر الذي نظمته هذه المنظمات في مدينة سخنين. وقد تم الإفشال ومنع الاختراق ابتداء بالحملة التي أطلقها اتحاد الجمعيات العربية (اتجاه) لمناهضته وبلوغا لمقاطعة بلدية سخنين ورئيسها ومؤسساتها وقواها الوطنية. هذا المؤتمر الذي جاء بالتعاون بين "فريق العمل " الصهيوني المذكور وجالية بتسبورغ ومنظمة شتيل. حيث كان عنوانه "العيش المشترك". ولا بأس من أن تقوم المؤسسات الوطنية بتنبيه المؤسسات الأخرى حول ما يختفي من دور للحضور الصهيوني العالمي بين جماهيرنا. فالحركة الصهيونية تبذل جهدا مضللا هائلا كي تبدو حيادية وغيورة على مصلحة العرب. وهو لا يختلف بالجوهر من سلوكها في المحافل الدولية وآخرها كان مؤتمر ديربان ضد العنصرية عندما تحالفت تحت مفردات الديمقراطية وحقوق الإنسان كي تدافع عن عنصرية إسرائيل، وتلاها الموقف المجاهر لجميعها ودون استثناء من معاداتها السافرة لتقرير غولدستون الاممي ودفاعها المستميت عن إسرائيل وعدوانيتها وجرائمها ضد شعبنا في غزة. وهي تؤيد احتلال القدس وضمها الى اسرائيل وكلها تؤيد وتدعم الخدمة المدنية للشباب العربي في الداخل.

وللحقيقة فان الحملة الوطنية لمناهضة المؤتمر لم تتطرق لمضمونه ولا جوهر أبحاثة، بل أن الأمر الجوهري كان هو الثوابت الوطنية ومناهضة الدولة اليهودية ورفض تطبيع أدواتها من منظمات صهيونية عالمية. المنظمات الصهيونية العالمية هي جزء لا يتجزأ من مركبات الدولة اليهودية والمشروع الاستعماري العنصري على وطننا. واعتبرت الحملة ان دورنا هو مناهضة الصهيونية ومنظماتها وتجلياتها لا التطبيع معها ولا شرعنتها. فمن يرفض جوهر الدولة اليهودية وسياسات تهويد النقب والجليل لا يستطيع أخلاقيا ان يتعايش مع مقومات المشروع الصهيوني وعلى أنقاض ما هدم واقتلع وصادر.

كما انطلقت الحملة الوطنية من اعتبار أن هدفنا ودورنا وبالذات دور العمل الأهلي الفلسطيني المستهدف هو منع اختراق الحركة الصهيونية لمناعة جماهير شعبنا واحتواء أوساط منها. ورفض قاطع لان تلعب مؤسساتنا دور حصان طروادة للمشروع الصهيوني سعيا وراء وهم التمويل أو الوهم بإمكانية تحقيق الحقوق من خلال أدوات اللعبة التي تفرضها إسرائيل ومجمل الحركة الصهيونية.

الحركة الصهيونية بمنظماتها ومؤسساتها وتياراتها المتنوعة تنظر إلى جماهير شعبنا الفلسطيني في الداخل من باب الأمن القومي الإسرائيلي، وتريدنا مجموعة سكانية تتحدث بمفردات الاعتداد بالنفس وبتعبير التحبب "الوقاحة الإسرائيلية"، ولكن نكون جوهريا خاضعين لقواعد لعبتها. فما نفع المفردات الوطنية إذا قبلنا طوعا بمبدأ العيش المشترك على أرضنا المصادرة وارض شعبنا المنهوبة!! وما نفع الاعتداد بالذات إذا قبلنا بان تكون المنظمات الصهيونية العالمية أيا كانت شريكة لنا في تحديد مصيرنا وملامح مستقبلنا!!.

الحركة الصهيونية العالمية ومنظماتها ترى بنفسها صاحبة الوطن الفلسطيني ومالكة لدولة إسرائيل وليس تابعة لها. وترى بالجماهير العربية تابعة لإسرائيل وتابعة لها ولمشروعها الكبير. وجوهريا تنظر إلى الجماهير العربية الفلسطينية في الداخل من منطلق المشكلة ولذلك فان إستراتيجيتها هي الاحتواء سعيا لما يسمى مكافحة التطرف وتعزيز الاعتدال وخلق مصلحة مادية وبنية ولاء عربي فلسطيني للدولة اليهودية.

هناك مسؤولية أخلاقية وهي أن نتعامل مع ذاتنا كشعب ولا ننحصر بحدود مواطنتنا، والمقصود أن تكون علاقتنا بالتدخل الصهيوني استمرارا للمشروع الاستعماري العنصري. علاقتنا بالحركة الصهيونية هي علاقة صراع على الوطن وعلى حق شعبنا فيه وعلى حق لاجئينا بالعودة اليه والى بلداتهم واستعادة أملاكهم التي هدمها ونهبها وصادرها المشروع الصهيوني. وأما دور المنظمات الصهيونية وفريق العمل متعدد الوكالات فهو في نهاية المطاف مسعى لتجميل الشكل والحفاظ على الجوهر الصهيوني.

لقد نجحنا في محاصرة توسع نفذهم ومنع اختراق مناعتنا الوطنية كجماهير والمطلوب الان اعتبار ما جرى هو بداية مطاف والمهمة القادمة هي في كنس مساعي الاختراق الصهيوني لمناعة جماهيرنا. وهي مهمة وطنية كبرى. فكما نطالب العالم بمقاطعة إسرائيل ونطالب العالم العربي بمناهضة التطبيع فنحن في الداخل الفلسطيني لسنا معفيين من لعب دورنا في مناهضة الصهيونية وأدواتها، ولا بأس في أن نعود إلى الثقافة الكفاحية حيث للموقف يوجد ثمن وعندما ندفعه تزداد مناعتنا الوطنية ونحصّن كرامتنا القومية.


 

18/11/2009

Wednesday, November 11, 2009

نتسيرت عليت مستعمرة تظن انها شرعية


 


 

امير مخول

اعلن شمعون جافسو رئبس بلدية نتسيرت عيليت يوم 10/11/2009 عن خطنه لاعادة تهويد المدينة في أعقاب الازدياد الملحوظ للوجود العربي فيها والذي فاق ربع عدد السكان ومقابل ذلك وقف هجرة اليهود منها وبالذات عزوف الأجيال الشابة اليهودية عنها.

وفي محور خطته اتجاهان متكاملان – الواحد هو ضمان هجرة "نوعية" من اليهود والثاني توجيه رسالة ملموسة للعرب في المدينة والذين هاجروا إليها أفرادا سعيا وراء حل فردي لازمة السكن او العمل في البلدات العربية في المنطقة، ودعاهم للتفتيش عن "بيت اخر" حسب تعبير موقع NRG.

أما التنفيذ العملي للمخطط فيتضمن استقدام مستوطني "غوش قطيف" في مستعمرا ت قطاع غزة سابقا وكذلك بناء مشروع "هار يونا 3" والذي هو عبارة عن مدينة يهود متدينين (الحرديم) وبناء مركز روحاني يهودي منطقي، وبالإضافة استقدام مجموعات ممن يطلق عليهم "النواة الصهيونية الصلبة" اي مجندين متدينين قوميين من الكتل الاستيطانية ومن مدارسها الدينية العسكرية والتي عرف عنها بتخريج إرهابيين يهود. وهذه المجموعات التي يجري العمل على استقدامها هي أشبه بالمجموعات المسلحة التي احضروها للسكن في عكا ضمن خطة "تدوير (تهويد) النقب والجليل" التي قادها شارون كجزء من خطة فك الارتباط مع غزة عام 2005 كما تتضمن خطة جافسوا إغراق المدينة باللافتات والرموز اليهودية والصهيونية. وللحقيقة فان جافسو يهدد الوجود العربي في نتسيرت عيليت بنموذج عكا في خريف العام 2008 عندما هاجمت الجموع اليهودية العنصرية الوجود العربي في المدينة واحتمت عنصرية الشارع بعنصرية النظام الإسرائيلي وتقاسمت الدور معه..

وللحقيقة فإن شمعون جافسو لا يأتي بأي جديد باستثناء نفض الاوهام، فهو يعيدنا الى جذور المشروع الصهيوني، والى الخمسينيات من القرن الماضي حيث أقيمت نتسيرت عليت بناء على الحلم الاستعماري العنصري الذي راود بن غوريون ولم يكن "أفضل" لتطبيق مثل هذا المشروع وتنفيذه من مساعده شمعون بيرس. وتحدث حلم بن غوريون عن "اقامة مدينة يهودية في قلب الجليل تقطع التواصل الجغرافي والدمغرافي العربي في المنطقة". وهذا جزء من المشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني الواسع القائم على التطهير العرقي.

وللحقيقة أيضا فأن الهدف من نتسيرت عيليت وإقامتها وتوسعها لاحقا هو هدف استيطاني استعماري لا يختلف بأي نص او جوهر عن المستعمرات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس بعد احتلالها في العام 1967 ولغاية اليوم. ولو قارنا أهداف نتسيرت عليت ومعاليه ادوميم او غوش عتسيون او هرئيل وكرمئيل لتيقنّا بأن الهدف هو واحد وجهة اتخاذ القرار بتأسيسها واحدة وجهة التخطيط واحدة والقانون الذي اعتمدت عليه واحد أيضا.

ولو قارنا كيفية التطبيق التي قادها شمعون بيرس في نتسيرت عيليت عام 1956 او في إقامة المستوطنات في الضفة الغربية، فإن كل متر مربع من اراضيها هو أرض عربية فلسطينية مصادرة سواء نهبتها إسرائيل عام النكبة والتطهير العرقي 1948 ام صادرتها وفق قانونها الاقتلاعي الاستعماري منذ العام 1948 ولغاية اليوم بهدف تغيير طابعها الدمغرافي وتهويد الوطن الفلسطيني.

خطة جافسو ومجمل وجود نتسيرت عيليت تعكس جوهر الوجود الإسرائيلي كواقع استعماري. وما يميز هذا المشروع المأزوم ان اشتداد أزمته يؤدي للكشف عن جوهره, فقد سعت إسرائيل باستمرار إلى إخفاء الجوهر سعيا وراء كسب الشرعية. لكن قوة جماهير شعبنا الفلسطيني وكفاحيتها وتعاظم حضورها مزودة بهويتها الوطنية كصاحبة الوطن والحق فيه وعليه وأهل البلاد كلها تجعل النظام الإسرائيلي كله في موقع ردة الفعل. وهذا تحوّل استراتيجي رأيناه في القوانين العنصرية الأخيرة وكذلك في حملة الانتقام خلال وبعد هبة الغضب والاحتجاج في الداخل على جرائم إسرائيل في غزة وقبلها على عدوان إسرائيل على لبنان 2006 وفي مجمل سياسة الملاحقات السياسية الترهيبية.

ويصطحب هذا التحوّل جانب آخر وهو سقوط ما تبقى من أوهام بين أوساط داخل جماهير شعبنا تجاه النظام الإسرائيلي. والتيقّن أكثر فأكثر من ان المؤسسة المدنية والقضائية والأكاديمية والتخطيطية والأمنية كلها شريكة في الجريمة التاريخية التي لم تتوقف منذ النكبة والسعي إلى نهب ما تبقى منه وتهويده.

واذ يعكس مخطط رئيس بلدية نتسيرت عليت دموية السياسة والنظام في إسرائيل، وحالة الصدام المفروضة على جماهير شعبنا في الداخل شئنا أم أبينا، فان معركة الشرعية الوجودية مفروضة علينا ولا نستطيع ان نتجاهلها. وفي معركة الشرعية نحن الاقوى وليس النظام الاستعماري العنصري وتجلياته من نتسيرت عليت الى مستوطنة كريات أربع ومعاليه ادوميم.

ان طبيعة التحدي تتطلب الحفاظ على الجاهزية الكفاحية الوحدوية العالية وبناء المرجعيات المحلية ومراكمة الانجازات، وذات الوقت ان تتعامل جماهيرنا في الداخل مع نفسها كجزء من القضية الفلسطينية ولا تحصر دورها في حدود المواطنة، وان تتعامل مع ذاتها كصاحبة حق ومسؤولية في بناء المشروع الفلسطيني التحرري الواسع ومرجعياته.

وفي تعاملنا مع خطة بلدية نتسيرت عيليت والتي لا تختلف عن أية سلطة بلدية أو مركزية أخرى, فأن حركة مناهضة التطبيع العربية الاقليمية وحركة المقاطعة الدولية لإسرائيل هي أدوات يجدر ويتوجّب أن يتعاظم دورنا مقابلها في كسر الحصار البنيوي على شعبنا والذي مصدره جوهر إسرائيل ذاته.


 

10/11/2009

Thursday, October 8, 2009

فلسطينيو ال48 في مواجهة العنصرية الصهيونية/ امير مخول

فلسطينيو ال48 في مواجهة العنصرية الصهيونية

امير مخول

مقدمة

يعيش فلسطينيو ال48 حالة صدام متواصلة مع اسرائيل. عمليا هي حالة صدام وجودية مفروضة تتغير وتيرتها من مرحلة الى مرحلة واحيانا تدخل حالة الصدام المباشر بين جهاز القمع الاسرائيلي من جهة والارادة الشعبية الفلسطينية من جهة اخرى. النقاش داخل المؤسسة الامنية الاسرائيلية وبالتكامل مع كافة الاذرع المدنية هو حول كيفية ادارة هذا الصدام، مستخدمين ادوات الترهيب والترغيب وسياسات "فرّق تسد" وكمّاً غير محدود من ادوات الرقابة السياسية والامنية والملاحقات والخنق الاقتصادي وفرض التبعية الاقتصادية المطلقة. وفي هذا النقاش كما أكد في كتابه "العرب الصالحون" يشرح هليل كوهين الخبير في شؤون المخابرات الداخلية (الشاباك) كيف ان النهج السائد في هذا الجهاز يقول بأن حالة الصدام المباشر لا بد منها بين الدولة وفلسطينيي ال48 ("عرب اسرائيل" بلغتهم الاستعمارية) وعلى جهاز الامن تحديد التوقيت والظرف. وهناك ايضا وعي فلسطيني يتعزز باستمرار وهو اننا بصدد ادارة صراع لا ايجاد حلول.

لكن هذا المقال سوف يتمحور في الوضع الذي اتضحت معالمه بشكل جلي منذ صيف العام 2006 خلال العدوان الاسرائيلي على لبنان والاخفاق الكبير الذي لحق به، والتحول الاستراتيجي الذي نشأ اذ أضحت الجبهة الداخلية الاسرائيلية هي ساحة المعركة بخلاف الحروب السابقة حين كان العمق العربي هو ساحتها. وجاء العدوان على غزة ليؤكد ان ما شهدناه من تحول في العام 2006 ليس حدثا عابرا وانما واقعا استراتيجيا جديدا فرضته المقاومة.

ولما اصبحت الجبهة الداخلية الاسرائيلية هي ساحة الحرب، ولما اصبحت الحرب لا تحسم فقط بالعتاد وانما بالصمود والمقاومة والارادة والعامل الشعبي المعنوي والعامل الاعلامي، فان تحديد هوية "اللاعبين" قد تغيرت، وازداد الوزن الشعبي بشكل قوي جدا ونتيجة اليه دور فلسطينيي ال48.

واذ لم تستطع اسرائيل الخروج من ازمتها التي تتخبط بها بعمق منذ ثلاث سنوات، حينما انكسرت الى غير رجعة المعادلة او الوهم بأن اسرائيل تستطيع كل شيء، فان ازمتها تجعلها اكثر شراسة وعنفا استعماريا وعنصريا، ولكن في المحصلة هي التي فقدت من قوتها الاستراتيجية.

وهذا يجعلها تحدد من بين ما تحدده في اعتبارات الامن القومي بأن فلسطينيي الداخل خطرا استراتيجيا. وتسلك مؤسستها الامنية والتشريعية والقضائية والمدنية والسياسية على اساس هذا الاعتبار، مما يحوّل حالة الصدام الدائمة الى اكثر مباشرة واكثر عنفا وخطورة. ويؤدي الى استعانة الدولة بعنصرية الشارع الاسرائيلي وعنف عنصرييه لتتكامل مع عنف الدولة واجهزتها الرسمية.

****

التحولات لدى فلسطينيي ال48

تشهد الساحة الفلسطينية في الداخل في مناطق ال48 كمّا هائلا وبوتيرة عالية وقد تكون غير مسبوقة من التشريع العنصري الإسرائيلي. وظهرت هذه الوتيرة من التشريع في العام الحالي 2009 مع التأكيد ان مجمل هذه التشريعات جرى التحضير لها ما قبل العام 2009 أي ما قبل حكومة نتنياهو الحالية. وبهذا المفهوم لن يكون دقيقا ربطها بحكومة نتنياهو ليبرمان بل بمجمل المركز السياسي الاسرائيلي بيمينه المتطرف او يمينه الأقل تطرفا.

وهذه القوانين التي سن بعضها ولا زال البعض الاخر في طور الاقتراح الحكومي، تتمحور في المواطنة والولاء القسري على الفلسطيني للدولة اليهودية وقانون النكبة أي منع ذكر النكبة وربطه بـ"استقلال اسرائيل" ومنع المس برموز الدولة ويهوديتها. وهي قوانين قسرية صدامية تسعى الى مصادرة حق وذاكرة وأهواء وولاء شعب برمته لصالح من يستعمره ويحتل وطنه. انها قوانين تشكل بنية اضافية للملاحقات السياسية وللترهيب وقد يكون استعمالها مناسبا لحالات استثنائية مثل حالة حرب تستغلها اسرائيل مستقبلا لعملية تطهير عرقي او "تغيير حدود" او الغاء سحب مواطنة جماعية عن فلسطينيي ال48 او جزء منهم، وبالذات الحديث عن منطقة وادي عارة القريبة من الحدود مع الضفة الغربية المحتلة منذ 1967 مقابل ضمان الكتل الاستيطانية فيها تحت السيادة الاسرائيلية بموافقة السلطة الفلسطينية. ويضاف الى هذه التشريعات انظمة واجراءات تنفيذية وزارية مثل قرار وزير البنى التحتية يسرائيل كاتس من حزب الليكود تغيير وعبرنة اسماء المدن والبلدات العربية الفلسطينية. في حين توفر انظمة التخطيط والبناء والقوانين العنصرية المرتبطة البنية لاستهداف 42 الف بيت فلسطيني لاستصدار اوامر بهدمها، ناهيك عن قرى برمتها لا تعترف بها اسرائيل خاصة في النقب والجليل حيث تسعى الدولة وضمن عملية فك الارتباط مع غزة 2005 الى تهويدها ضمن مخطط وقانون والان وزارة النقب والجليل والتطوير بالمفهوم الاسرائيلي يعني استيطانا يهوديا وتطهيرا عرقيا للوجود الفلسطيني.

يضاف الى هذه القوانين ادوات قضائية من قوانين وانظمة واجراءات تتيح للدولة وبالذات الجهاز الامني دورا مطلقا. وأشير في هذا الصدد الى قانون سرية المعلومات وسريّة الادلّة، والذي يتيح لجهاز الشاباك او الجهاز الامني عامة ان يقدم أدلته في اية قضية قضائية وذلك امام القاضي/القضاة دونما أي حق للمدعى ضده او لمحامي الدفاع معرفة مضمون هذه الادلّة ويكفي ان يقبل بها القاضي لتصبح أدلّة تعتمدها المحمة في اصدار قرار حكمها المدين للمتهم حتى وان كان بريئا. لكن ايضا تتيح للمحكمة الاسرائيلية تجريم أي سلوك سياسي قانوني واعتباره مخالفة أمنية معادية للدولة واتصبح المحكمة المدنية محكومة بالمؤسسة الامنية مباشرة في كل ما يتعلق بالفلسطيني مواطن اسرائيل، حيث ان المبدأ الذي يسري هو انه على المتهم ان يثبت براءته وليس بريئا الى حين اثبات ادانته.

العنصرية البنيوية وقانون نهب املاك اللاجئين

ما يميز اسرائيل هو العنصرية البنيوية القائمة على اساس العنصرية المتسترة. والتي ليس بالضرورة ان تبدو على الملأ او يجاهر بها. فناهيك عن 23 قانون عنصري وتمييزي هناك بنية من المؤسسات الصهيونية الاسرائيلية والعالمية الشريكة في تقاسم العنصرية وتحويل التمييز من مسؤولية الدولة الرسمية الى مسؤولية هذه المؤسسات التي تبدو ظاهريا طوعية لكنها تتقاسم الحكم والسيطرة مع الدولة وحتى انها تعتبر نفسها فوق الدولة وان الدولة هي ملك يهود العالم. ومن هذه المؤسسات الوكالة اليهودية والصندوق القومي اليهودي والتي وفق دستورها تخدم فقط اليهود. ولهذه المؤسسات نفوذ واسع وسيطرة على مواقع اتخاذ القرار الاسرائيلي في كل ما يتعلق بالارض والاملاك والهجرة والاستيطان والتخطيط (من جانبي الخط الاخضر طبعا).


 

هناك قانون واحد ضمن القوانين الجديدة المدرجة في طور التشريع خلال صيف 2009 يندرج ضمن تقاسم العنصرية بين اسرائيل والصندوق القومي اليهودي. انه قانون "اصلاحات دائرة اراضي اسرائيل". وقد تم ادراجه للمراوغة ضمن ما يسمى القوانين الاقتصادية. وهذا القانون الذي بدأ نتنياهو وبتأييد اطراف المؤسسة الصهيونية الحاكمة العمل على تشريعه وتنفيذ جوهره حتى فبل ان يسنّ رسميا في النصف الثاني من التسعينات خلال حكومة نتنياهو الاولي وايضا خلال حكومة ايهود براك عندما كان اطار اتفاقيات اوسلو لا زال على جدول الاعمال بما فيه الجديث عن قضايا الحل الدائم. ويعتبر رئيس الوزراء الاسرائيلي هذا القانون المشروع الأهم في رئاسته للحكومة.

ويهدف القانون الى خصخصة املاك اللاجئين الفلسطينيين بمن فيهم المهجرين في وطنهم (حوالي ثلاثمائة ألف من فلسطينيي ال48)، وتهويدها من خلال صفقات تبادل وتحويل ملكية تعقدها الدولة مع الصندوق القومي اليهودي والذي يقوم على خدمة اليهود وحدهم والذي يستحوذ على موقع اتخاذ القرار في "دائرة اراضي اسرائيل" والتي هي جسم حكومي مركزي. وهذا القانون عمليا يتجاوب مع مركبين جوهريين في سياسة اسرائيل وهما المركب اللبرالي الجديد (النيوليبرالي) السائد اقتصاديا كونه يدر للدولة حوالي 60 مليارد دولار، وكونه عمليا يلغي البنية المادية لعودة اللاجئين الفلسطينيين حتى انه قانون التفافي على القانون الدولي اذ تصبح اسرائيل في موضوعة املاك اللاجئين طرفا ثالثا دوره هو حماية الملكية الخاصة لمواطنيه اليهود الذين استولوا على املاك اللاجيء الفلسطيني او استوطنوا في ارضه وبيته.

هل فقط نظام عنصري؟ في تعريف النظام

ان التمعن في هذا القانون ومجمل القوانين الجديدة فهي قوانين استعمارية ونخطيء اذا تعاملنا معها من باب العنصرية فحسب. فالعنصرية في اساسها تمييز في حين الحديث هنا عن جريمة اكبر بكثير تتمثل باحتلال وطن واقتلاع شعب من بلده وتطهير عرقي ونهب خيرات الوطن واستيطانه. وكل القوانين الاستراتيجية ذات الصلة بالهجرة والمواطنة والارض والتخطيط هي ادوات استعمارية تشكل العنصرية مركّبا واحدا منها. وهي قوانين تبدو ضد "مواطنين" لكنها تستهدف شعبا، ولا تقتصر على مواطنين فرضت عليهم مواطنتهم قسرا. ولا تشكل هذه المواطنة بالنسبة لهم سوى ولاء للوطن وتذكرة البقاء في الوطن والدفاع عنه وعن مجمل حقوق الشعب الفلسطيني. انها ليست ولاء لنظام كولونيالي عنصري بل مواجهة له ويجري استخدامها كاداة لادارة الصراع معه.

مواقع قوة يستهدفها القمع

في المقابل فان دور فلسطينيي ال48 على ساحة الصراع ليس محصورا بحدود مواطنتهم. بل هو دور يتقاسم مجمل الهمّ الفلسطيني والحق الفلسطيني. وهذا ما ظهر جليا في اوسع تحرك فلسطيني لمناهضة العدوان الاسرائيلي على غزة (نهاية 2008 وبداية 2009) لوقف المجزرة وكسر الحصار وهو ما ظهر في مناهضة العدوان على لبنان 2006، ويظهر جليا في المعركة عل القدس والمقدسات والاقصى، والمعركة على الاسرى الفلسطينيين والعرب في سجون اسرائيل وفي المعركة من اجل العودة وفي التصدي لمشروع الدولة اليهودية ولمخططات تهويد النقب والجليل وللسياسات لتهويد المدن الساحلية والكبرى ولسياسة هدم البيوت والمصادرة التي تستهدف كما هو مخطط اكثر من 42,000 بيت فلسطيني في مناطق ال48.

واضافة اليه فان فلسطينيي ال48 مشغولين بشكل مكثف في الدفاع عن هويتهم الوطنية التي أصبحت مشروعا وطنيا أوليا برؤية تكاملية لا- تجزيئية للقضية الفلسطينية. وتنشط مؤسساتهم محليا وعلى مستوى مجمل الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات وعلى المستوى العربي الاقليمي والعالمي. وهم عامل هام ومبادر في اعادة رسم حدود القضية الفلسطينية والحق الفلسطيني المتكامل لا المجزّأ، والذي يعود في مرجعيته الى العام 1948 والنكبة واسقاطاتها وكذلك ما سبقها، ولا يقتصر على إسقاطات عدوان 1967. وهذا مركب جوهري للرواية الفلسطينية التي على اساسها تتحدد ملامح النضال من اجل الحق الفلسطيني كاملا وليس مجزّءا.

ان أحد اهم الانجازات التي حققها فلسطينيو ال48 هو تربية اجيال فلسطينية ناشئة وواعدة باستمرار على الثقافة الكفاحية وفي حمل راية النضال من اجل احقاق كامل الحق الفلسطيني. ويظهر ذلك جليا من خلال المؤسسات والاطر الشبابية بمبادرة شبابية والتي تلتقي في هويتها الوطنية والشبابية وكذلك تلتقي حول مفهوم الارادة في تحمل المسؤولية تجاه الحق الفلسطيني. ان هذه القطاعات الجيلية اصبحت تشكل الاكثرية في مسيرات مئات الالاف دفاعا عن غزة، او مسيرات العودة السنوية او حملات مناهضة مشاريع الاسرلة الهادفة الى فك الارتياط بين الشاب الفلسطيني وجماهيره وشعبه ووطنه وأمته العربية ورواية الحق، والاستعاضة عن ذلك بمشاريع الولاء وهذه المرة "بالاغراء" ضمن ما يسمى الانصهار في "الخدمة المدنية" كمسار مواز للخدمة العسكرية الاسرائيلية والتي تمنح الشاب "امتيازات" مادية، وهي عمليا اسلوب عنصري مطوّر يسقط الحق الانساني والوطني بالعيش الكريم ويشترط الامتيازات المادية بالولاء لقواعد الاسرلة.

وفي الواقع الفلسطيني الحالي والمجزّأ فان فلسطينيي ال48 هم – نسبيا - المجموعة الفلسطينية الاكثر تنظيما وحراكا وتوافقا داخليا. اذ توجد حركة سياسية قوية ومنظمة ويوجد مجتمع أهلي مدني قوي ومنظم وهناك علاقة تكاملية واضحة المعالم بين القطاعيين المؤسساتيين وهناك السلطات المحلية البلدية والمؤسسات الشعبية والتي تنضوي جميعا في اطار مرجعياتهم الطوعية والتي تشارك فيها مجتمعة كل التيارات والقوى الوطنية في اطار مشترك يستوعب التعددية القائمة وغير السهلة، لنجد التيار القومي والتيار الاسلامي والتيار اليساري مجتمعين في اطار مشترك طوعا وعلى اساس توافقي، وهذا الاطار "لجنة المتابعة العليا" يقود النضال الجماهيري الشعبي الجماعي. وهذا نموذج هام في المحيط العربي وقابل للتنفيذ او للتطوير فلسطينيا عامة وعلى امتداد الوطن العربي لو كانت ارادة شعبية وسياسية. ان أحد الدروس المستفادة من المأسة الفلسطينية وايضا من النضال الفلسطيني هي ضمان التنظيم والعمل الجماعي المنظم وهو شرط لاي انجاز جماعي، واداة لا يمكن التهاون بها في ظل حرب استنزاف يومية مفروضة عليهم طوال ستة عقود.

موقع القوة الاخر الذي يميز مؤسسات ال48 هو نجاحها والى حد ملموس في لفت انظار العالم الى ان حدود القضية الفلسطينية أوسع من حدود "الخط الاخضر". أي تنبيه حركات التضامن العالمية بأن الحق الفلسطيني هو ايضا في حيفا وصفد ويافا، وان ممارسات اسرائيل في الضفة والقطاع والقدس والجولان والتي احتلتها جميعا عام 1967 ليست اكثر كولونيالية استيطانية منها في مناطق ال48. فالتطهير العرقي في القدس والخليل لا يختلف عنه في يافا وعكا والبقيعة والنقب. والكتل الاستيطانية في الضفة الغربية لا تختلف جوهريا عنها في نتسيرت عيليت وكرمئيل في الجليل، وعن نهب الوطن فحدّث ولا حرج, فتكفي جولة ميدانية لهؤلاء المناصرين في حي وادي الصليب في حيفا او مدينة صفد كلها او يافا وعكا واللد والرملة او جامع طبريا الذي تم تحويله الى بيت دعارة ومخدرات وجامع عين حوض الى مطعم وكنيسة البصة الى اسطبل لمواشي مستوطنة شلومي. ولم يردعهم عن ذلك سوى النضال الشعبي. ان فلسطينيي ال48 اصبحوا منبها للعالم بأن اسرائيل هي نظام عنصري وكولونيالي في جوهره ولا يستطيع ان يكون غير ذلك. وعمليا أشاروا الى ان الحق الفلسطيني لا يكتمل بالتخلص جزئيا حتى ولا كاملا من اسقاطات احتلال العام 1967. أي اصبحت قواهم وأطرهم الطليعية قوة شد باتجاه مناهضة التطبيع والمقاطعة على اسرائيل كنظام وليس على ممارسات لهذا النظام وحصر ذلك في تفاصيل مثل "منوجات المستوطنات".

هناك نقطة تحوّل هامة اصبحت ضمن الوعي الممارس لفلسطينيي ال48 وهي العلاقة مع البعد العربي الاقليمي، والتي يطلق عليها باللغة المحلية "التواصل" مع العالم العربي. وهي تزداد اهمية على ضوء الاخراج الرسمي للقضية الفلسطينية من بعدها العربي. وعمليا اصبح البعد العربي الرسمي يتجلى في كيفية التخلص من هذه القضية بصفتها مسألة فلسطينية صرف تعيق علاقة النظام العربي مع اسرائيل سعيا للعلاقة مع الولايات المتحدة وضمن المراهنة المطلقة على الولايات المتحدة. وهذا نهج السلطة الفلسطينية ورئاستها التي تخلت عن المقاومة ومشروع التحرر الوطني وناصبتهما العداء، وهو ذاته دور النظام العربي الرسمي. فبعكس ما تدفع باتجاهه اوساط قوية وبلورة ضمن فلسطينيي ال48 من التمحور في جوهر الصراع فان الشد الفلسطيني الرسمي والعربي الرسمي هو للتخلي عن جوهر الصراع واستبداله بصراع وهمي مذهبي فرضه العدوان الامريكي على المنطقة منذ احتلال العراق ضمن معادلة "التطرف والاعتدال" التي تمهد للتطبيع مع اسرائيل بوصفها "حليفا" ضمن معسكر الاعتدال والاصطفاف الناتج عنه في مواجهة حركات وقوى المقاومة والممانعة. وعندما نطرح في المؤسسات القيادية لفلسطينيي الداخل مطلب الحماية الدولية وتدويل قضايانا كما مجمل القضية الفلسطينية فاننا عمليا نطرح تحدي الشرعية ونفتح سؤال الشرعية وشرعية النظام العنصري الكولونيالي. وفي هذا الصدد فان سياسة العصا والجزرة تمارس على أشدها، فمن ناحية هناك الترهيب المباشر والتهديد والملاحقات السياسية وفي ذات الوقت هناك مساعي الاحتواء والاغراء المالي التي تتقاسم فيها الادوار اسرائيل والمنظمات الصهيونية العالمية وبالاخص التمويلية الامريكية منها. والتي تعتبر ان اسرائيل تابعة لها لكونها دولة اليهود وليس العكس.

لماذا التركيز على نقاط القوة

عندما تخطط المؤسسة الامنية الاسرائيلية مدعومة بالاكاديمية الاسرائيلية ومراكز ابحاثها الاستراتيجية، فانها تبني الاحتمالات على اساس الوضع الاسوأ لها وهو عمليا الوضع الاحسن للفلسطينيين. وعليه فانني أسوق نقاط القوة داخل فلسطينيي ال48 ليس من باب الاعتداد بالنفس الجماعية او المفاضلة مع مجموعات فلسطينية اخرى او للتستير على نقاط الضعف، بل لكشف الحقيقة بشأن المحصلة الآنية لمعادلة الصراع من ناحية ولكشف ما تحيكه اسرائيل. فاسرائيل تخطط بناء على القوة المقتدرة والاحتمالات القصوى لدى فلسطينيي ال48.

وعلى عكس التعامل الفلسطيني والعربي التجزيئي، فان اسرائيل تتعامل مع مركبات القضية الفلسطينية ومع مجموعات الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات على انها متكاملة. واي اضعاف لجزء منها هو اضعاف لكل الشعب الفلسطيني وللنضال التحرري واي تعزيز لقوة أي جزء من الشعب الفلسطيني هو تعزيز لقوة الشعب ولمشروعه التنحرري ولحقه.

في حين اسرائيل تسير وفق هذه المعادلة لكن وضمنها ايضا تسعى الى منع الطرف الفلسطيني من التعامل بشكل تكاملي كقضية واحدة ومصدرها واحد ومصيرها جماعي. ان أحد مركبات القوة الاسرائيلية ومساعي التفوق الاسرائيلي الاستراتيجي تعتمد على قوة اسرائيل الفعلية والدعم الامريكي من ناحية لكن ذات الوقت تعزيزها نوعيا بالضعف العربي والضعف الفلسطيني والابقاء عليه ضعيفا.


 

هل يحتاج النظام العنصري الى قوانين جديدة؟


 

لماذا هذا الكم الهائل من قوانين عنصرية صدامية يجري تشريعها في صيف 2009، هو لماذا وما هو الهدف منها؟ ويصبح هذا السؤال أكثر إلحاحية على ضوء الحقيقة الساطعة إن عنصرية إسرائيل تملك كل الأدوات لممارستها ولا تنقصها أدوات. وللايضاح فان القوانين المقترحة والتي تتعلق بالمواطنة والولاء والنكبة والاراضي واملاك اللاجئين والمهجرين هي قوانين تجري محاولات سنّها منذ سنوات وليست وليدة حكومة نتنياهو.


إسرائيل بصفتها نظاما استعماريا عنصريا بجوهره، قامت على ذات المبادئ والقيم التي تتضمنها القوانين الجدية المقترحة، ووضعتها دائما في صيغة الديمقراطية ودولة القانون. واستعان علم الاجتماع الإسرائيلي وعلم السياسة بغطاء ما يطلق عليه نموذج "الديمقراطية المحتمية" أي حق وواجب النظام الديمقراطي في الدفاع عن ذاته وعن ديمقراطيته. أي في الحالة الإسرائيلية تضييق هامش الديمقراطية وزيادة القمع القومي العنصري. ومفهوم الديمقراطية المحتمية الذي تروج له الأكاديمية الإسرائيلية من باب التحايل على الحق وتبرير القمع وحتى يجري ترديده من قبل قلة من الأكاديميين العرب، هو صيغة تبريرية دقيقة للمفهوم الصهيوني للدولة اليهودية الديمقراطية.

عنصرية محتمة وليس "دمقراطية محتمية"


ما نشهده مؤخرا هو عنصرية محتمية وليس "ديمقراطية محتمية". وهذا أمر هام أصبحت فيه الدولة والنظام العنصري في موقع رد الفعل بالمعني العام على التطور الجاري بين فلسطينيي الداخل في تبلور الهوية الوطنية والقومية والوعي المنبثق عنها في تحديد طبيعة الصراع مع الدولة والنضال من اجل الحق الفلسطيني. أي انه وبالصورة العامة فإن الدولة في تراجع، ووصول حكومة نتنياهو الى الحكم هو مؤشر للضعف لا للقوة. وهذا لا يقلل من المخاطر والتحديات لكنه يساعد في فهم المعادلة العامة للصراع.

وفي اطار العنصرية المحتمية تدخل سياسة الملاحقات السياسية واستهداف القيادات السياسية وقوانين سحب المواطنة التي تسعى جميعها الى فك الارتباط بين فلسطينيي ال48 والبعد الفلسطيني الواسع والعربي الاقليمي وحتى الاسلامي والعالمي. ومثال صارخ هو قانون سحب المواطنة الذي تم سنّه في اعقاب المنفى القسري لمؤسس ورئيس حزب التجمع الوطني الدمقراطي د. عزمي بشارة، والسجن لسنوات بحق قيادات الحركة الاسلامية وفي مقدمتهم رئيسها الشيخ رائد صلاح ناهيك عن لوائح اتهام عديدة ضده بتهمة التحريض ذات صلة بوقفته في مواجهة سياسة الاحتلال والدفاع عن المسجد الاقصى والمقدسات، والسجن لسنوات بحق الامين العام لحركة ابناء البلد محمد كناعنة، اضافة الى لوائح اتهام بحق عدد كبير من القيادات السياسية تتعلق بالقيام بدورهم السياسي وآخرها كان ضد رئيس الجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة عضو الكنيست محمد بركة. لكن نهج نزع الشرعية لا يتوقف على هذه الامثلة بل يطال مؤسسات المجتمع الاهلي والمدني التي جرى ويجري اغلاق عدد منه بأوامر ادارية من وزير الأمن الاسرائيلي وتصادر مقارّها واملاكها وأموالها، وآخرها كان في صيف 2008 ضد مؤسسة الاقصى لحماية الاوقاف والمقدسات.

خلال العدوان على غزة وبناء على معطيات اللجنة الشعبية للدفاع عن الحريات تم اعتقال 243 ناشطا فلسطينيا غالبيتهم الساحقة من الشباب وعدد كبير ممن لا زالوا دون الثامنة عشرة. كما تم استدعاء المئات للتحقيق لدى جهاز الامن العام – الشاباك. وتمحورت التحقيقات والتي شملت قيادات بمن فيهم كاتب هذه السطور اضافة الى استهداف الشباب والاجيال الصاعدة ملوحين بالترهيب والترغيب، ضمن مسعى واضح المعالم هدف الى اختراق فلسطينيي ال48 والنيل من معنوياتهم وإضعاف تنظيمهم وجاهزيتهم الكفاحية.

وعودة إلى ما يجري اليوم فان التغير الهام الأخطر الذي قد يحصل هو في تأكيد الدولة لكل عنصري بأن دولة القانون لن تقف بوجه العنصرية. وإذ تتعامل إسرائيل مع ذاتها كدولة قانون ونظام مركزي قوي، وموقع اتخاذ قرار امني سياسي اقتصادي مركزي جدا، فانها تبدي في التصعيد التشريعي الحالي نقيض ذلك. أي ان كوابح القانون وكوابح الدولة سوف يجري التخفيف منهما بقرار من الدولة وسلطتها المركزية. فالقمع المباشر من الشرطة والشاباك والجهاز القضائي فشل في النيل من إرادة جماهيرنا ووعيها. وبدأنا نشهد حتى نوعا من الخصخصة اذا جاز التعبير خصخصة في مجال القمع والعنصرية. ليتقاسم العنصريون الدور مع الدولة في الاعتداء علي فلسطينيي ال48 واستنزافهم. ولتبدو الدولة كأنها طرف ثالث بين مجموعتين سكانيتين متصادمتين. وقد شكلت اعتداءات عكا الدموية العام الفائت على الوجود العربي الفلسطيني فيها نموذجا وبالتأكيد ليس نهاية المطاف. وفي حالة حرب ستكون الجماهير الفلسطينية مستهدفة مباشرة من الدولة ومباشرة من الجموع العنصرية والتنظيمات الارهابية الاسرائيلية. وحتى من الجيش الاسرائيلي حيث توجد كتيبة عسكرية جاهزة لهذا الشأن أعلن عنها عشية المناورات الاسرائيلية الكبرى ومتعددة الاذرع والتي جرت اوائل حزيران 2009.


 

خلاصة القول

لن تصبح إسرائيل أكثر عنصرية مع القوانين الجديدة بل أنها ستواصل عنصريتها الاستعمارية بشكل منهجي كما كان منذ العام 1948 كدولة. فالقوانين منبثقة من عنصريتها ولا تخرج عن إطار عنصريتها. وللحقيقة هناك حاجة لتطوير الخطاب الفلسطيني والعربي السائد والقراءة الدقيقة للعنصرية الإسرائيلية. فاتهام إسرائيل بالعنصرية هو وصف جزئي فقط لجوهر أخطر بكثير من العنصرية. والسياسة الإسرائيلية كما جوهر المشروع الصهيوني تجاه الفلسطينيين هي استعمارية إقتلاعية في حين أن عنصريتها تنبثق من هذا الجوهر. وهو جوهر في التعامل مع جماهير شعبنا في الداخل ضمن رؤية استعمارية للتعامل مع مجمل الشعب الفلسطيني وحقوقه ومع مجمل المحيط العربي الإقليمي. إن نظاما استعماريا قام على أنقاض شعب بعد ان اقتلعه من وطنه واستوطن عليها لا يستطيع ألا يكون عنصريا. وجوهر إسرائيل وقوانينها وأنظمتها وطبيعة نظامها كلها تعكس ذلك وتؤكده. وأي وهم في غير ذلك هو نتاج الهزيمة العربية لا الحقيقة التاريخية.


 


فلسطينيو الداخل يمرون بحالة هي أشبه بحرب استنزاف معلنة كان أطلق جولتها الحالية رئيس جهاز المخابرات العامة الشاباك يوفال ديسكين أوائل العام 2007 عندما اعتبر فلسطينيي الداخل خطرا استراتيجيا على الدولة اليهودية. وقد توصل إلى هذا التحديد على ضوء إخفاق العدوان الإسرائيلي على لبنان 2006 وما تبعها من تحولات استراتيجيه في مفهوم الأمن القومي والحرب المستقبلية. بما في ذلك دور فلسطينيي الداخل الشعبي والمعنوي في مقاومة العدوان.


وفي عدوان العام 2009 على غزة، كانت الجماهير الفلسطينية في مناطق ال48 هي الحلقة الأكثر تنظما وكفاحية داخل تجمعات الشعب الفلسطيني. وحملة الترهيب ألمخابراتي واستنزاف قوة الناس ومعنوياتها أصبحت نهج دولة تصعيدي متصارع بوتيرة سريعة جدا. إنها محاولة لتشتيت القوة الجماعية ومنع تطوير وتكامل التنظيم الجماعي وإغراق جدول اعمال هذا الجزء من الشعب الفلسطيني بقضايا تفصيلية عادة ما يكون الهدف منها الإبعاد عن الجوهر. والهدف الإسرائيلي الأهم هو إضعاف النضال الفلسطيني عامة كي يتمكنوا من مواصلة الانقضاض على الحق الفلسطيني.


القوانين الإسرائيلية الجديدة ليست حدثا بحد ذاته بل جزءا من نهج متكامل، يستهدف كياننا المنظم ويستهدف استبعاد دور الداخل من معادلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والإقليمي العربي الإسرائيلي. انها قوانين للملاحقة السياسية وللترهيب الذاتي لجماهير شعب كسرت حاجز الخوف والترهيب منذ عقود ولا تقبل أن ترهن حقوقها ودورها فلسطينيا وعربيا للقانون الإسرائيلي ولن يردعنا ثمن الموقف.


 

معادلة الصراع بين فلسطينيي ال48 واسرائيل هي ليست ثنائية بل متعددة الاطراف. انها جزء ومركّب عضوي من الصراع الفلسطيني الاسرائيلي والعربي الاسرائيلي. الامر الجديد نسبيا هو الاعتراف العربي الشعبي والاعلامي ونوعا ما الرسمي بتزايد محورية دور فلسطينيي ال48 وباعتباره دورا استراتيجيا في مناهضة المشروع الاستعماري العنصري.


لنحدد اين المعركة لا اين تجري المناورة

الانشغال العربي الزائد في يهودية اسرائيل

لو كان الوضع العربي معقولا وأقلّ بؤسا مما هو، لما كلن انشغاله في التطبيع العربي االرسمي مع اسرائيل مقابل "تنازلها" عن "توسيع الاستيطان" لان في ذلك التطبيع تطبيع ايضا مع الاستيطان القائم. بل كان انشغاله في جدول اعمال حقيقي ويطرح مسألة شرعية اسرائيل، بغض النظر كيف تعرّف ذاتها. فقد تعرف ذاتها بأنها "واحة الدمقراطية" او دولة يهودية دمقراطية او دولة يهودية ودولة اليهود، وكل التعريفات لا تغير من جوهرها الاستعماري العنصري. فلولا حالة الهزيمة والعجز لما تعامل العالم العربي بشكل ثابت مع جدول الاعمال الذي تطرحه اسرائيل، بل كانت اسرائيل تعاملت مع جدول اعمال العالم العربي وقد لا تجروء حينها على طرح موضوع تعريفها لذاتها ومطالبة العرب بالاعتراف بهذا التعريف والتطبيع معه.

التطبيع هو تنازل باسم الشعوب العربية والامة العربية للمستعمِر. وفي وضع أقل بؤسا كان من المتوقع ان ينشغل العالم العربي بالسؤال حول شرعية اسرائيل لا حول يهوديتها، أي ان المسألة الاولى اصبحت مفروغ منها. ولكن البؤس وصل وضعا يقبل بالتطبيع مقابل تجميد الاستيطان في الضفة الغربية! وتطبيع اسرائيل يعني تطبيع عنصريتها ايضا وطابعها الاستعماري.

سواء اطلقت اسرائيل على نفسها اسم دولة او دولة دمقراطية او واحة الدمقراطية ام دولة يهودية ودولة اليهود فان طابعها سيبقى ذاته..انها كيان استعماري عنصري قام كذلك وتعزز جوهره العنصري والاستعماري يوميا. ولم تصبح اكثر عنصرية او استعمارية بعد احتلال 1967 منه بعد احتلال 1948.

السؤال المركزي المطلوب من العالم العربي الرسمي والشعبي ان يجيب عليه متعلق بمسألة شرعية اسرائيل ويهوديتها مشتقة من هذا السؤال وليست هي السؤال المركزي. فلو أعلنت ذاتها دولة دمقراطية تصبح أكثر شرعية؟؟

من الاهمية بمكان في ادارة الصراع تحديد موقع المعركة وطبيعتها لا طبيعة وموقع المناورة. والمعركة اليوم هي مسعى صهيوني لتصفية أي موقع قوة داخل الشعب الفلسطيني بهدف الانقضاض على الحق الفلسطيني وعلى امكانيات تحقيقه مستقبلا. انها مسعى لتحصين المشروع الاستعماري العنصري، والتطبيع معه والتراجع عن مواجهته يفتح الطريق امام المزيد من انتهاك الحق الفلسطيني والحق العربي ويعزز تمادي المشروع الصهيوني..


 


 

الكاتب قيادي فلسطيني رئيس اللجنة الشعبية للدفاع عن الحريات والمدير العام لاتحاد الجمعيات العربية (اتجاه) في فلسطين48


 

تم نشر المقال في مجلة العرب والعالم (العدد الثاني) والصادرة عن مركز العرب والعالم للدراسات والإعلام (صيف 2009)

Friday, September 25, 2009

هبة الأقصى: أسئلة مفتوحة وتوقعات للصدام القادم


 


 


 


 

أمير مخول


 

انطلقت انتفاضة الأقصى من جانبي الخط الأخضر بتزامن ملفت للنظر، لتزيل ولو بشكل مؤقت الحدود التجزيئية داخل الشعب الفلسطيني، ولتعيد رسمها كحدود صراع مع إسرائيل. الحدث المركزي الذي كان شاغلا في حينه كان حضور ما يسمى قضايا الحل الدائم مع انهيار اتفاقيات أوسلو الظالمة وانحسار الوهم الذي جلبته معها بإمكانية قبول الفلسطيني أينما كان بحل ينتقص من حقوق الشعب الفلسطيني، كما أكدت غياب إمكانية حل عادل قائم على استعادة الحق الفلسطيني في المعطيات الدولية والإقليمية والمحلية القائمة. وانطلقت الانتفاضة كذلك معبرة عن وعي مغاير لوعي الأسرلة الذي اتسع مداه بداية التسعينات، وشكل البعد الوطني القومي والإسلامي المتفاعل قوة دفع كبيرة لانطلاقتها.

بقيت مشتعلة في حينه الضفة والقطاع لكنها همدت بعد أسبوع من الزمن في الداخل. ومع هذا فإن تزامنها وكذلك تواصلها لمدة أسبوع أو أكثر يجعلها حدثا مفصليا فيه مؤشرات لكيفية أدارة الصراع مع الدولة وكذلك مؤشرات لقوة الكتلة البشرية عندما تنطلق.

الكتل البشرية الفلسطينية في الداخل لم تنطلق في انتفاضتها بناء على قرار من أحد بل رغم القرار الثابت لدى مرجعياتنا المحلية الذي سعى ولا يزال يسعى لمنع انطلاقها. وهذا نقاش داخل الصف الوطني لا خارجه. وليس تشكيكا بنوايا بل تحديدا لمشكلة. فالحجة المركزية لتدارك الصدام هي الحرص على الناس وحمايتها وهو موقف لا تجوز الاستهانة به. لكن وفي المقابل لا "الحرص" والامتناع عن الصدام مقدس ولا الصدام ذاته مقدس وكلاهما مستويات لنضال وصراع جوهره واحد. ومع ذلك لا بد أن نعترف ان قرار المرجعيات او القرار الجماعي لا يزال يعطي المواطنة وقواعد لعبتها قيمة شبه مطلقة، وكما لو كانت هذه المواطنة مكسبا وطنيا او تقرير مصير.

انتفاضة الأقصى شكّلت حدثا خارج حدود المواطنة بل كانت قوتها بكسر قواعد اللعبة القسرية المفروضة على وجودنا. ففي نضال الشعوب المقموعة وضمن واقع استعماري يصبح كسر قواعد اللعبة وإبطال مفعول القواعد القسرية قضية جوهرية في إدارة الصراع مع المستعمر ونحو إحقاق حقوقها.

المواطنة لا تحمي الفلسطيني وليست امتيازا إسرائيليا للفلسطيني بل أداة سيطرة وترويض من قبل الدولة في حين بالنسبة للحركة الوطنية الفلسطينية في الداخل هي أداة للبقاء في الوطن والدفاع عنه وعن حقوق شعبنا فيه. ومع هذا لم تكن الخيار الفلسطيني بل الفرض الإسرائيلي.

أسئلة مفتوحة

أولا: هناك علامات سؤال حول لقاء "فوروم معالي هحميشاه" والذي كان في مركزه مجلس الأمن القومي الإسرائيلي وتواصل ثلاثة أيام وتبعته لقاءات عدة، وماذا جرى فيه ولماذا وافقت قيادات من لجنة المتابعة المشاركة فيه من وراء علم الناس ومن وراء إرادتها؟ ماذا جرى هناك وكيف تمر تسع سنوات وكأنه سر مكتوم...وماذا بشأن المليارات الأربعة التي أعلنت عنها حكومة إسرائيل على خلفية هذا الملتقى السري ظنا منها بإمكانية شراء ذمة شعب واحتواء ارادته؟

وبعد كل مواجهة او هبة جماهيرية تبدأ المؤسسة الصهيونية الإسرائيلية والعالمية بمسعى الترويض والإغراء حفاظا على الدولة اليهودية الدمقراطية. وبشكل منهجي هناك تقاسم ادوار بين النظام العنصري الاسرائيلي ومؤسساته وبين المنظمات الصهيونية العالمية. فالنظام يظهر من خلال الشاباك والملاحقات السياسية والقوانين التصفوية في حين تأتي المنظمات الصهيونية العالمية بالاغراء المالي ومساعي الاحتواء بمسميات مختلفة.

ثانيا: لجنة اور: لم تكن جماهيرنا بحاجة للتفتيش عن الحقيقة وراء مجزرة العام 2000 حيث راح ضخيتها الشباب الثلاثة عشر في الداخل (اكثر من ألف شهيد في غزة والضفة)، ولا الكشف عن العدالة فالعدالة جدا واضحة وأوضح منها غيابها. اما الحقيقة فهي ما لسنا بحاجة للانشغال بها لاثباتها بل الدفاع عنها ومنع تناسيها القسري. وتأكيد شرعية هيتنا في مواجهة معادلة اسرائيلية مفضوحة قالت ان المشكلة والصدام هما نتاج "تطرف العرب" لتبدو اسرائيل امام نفسها ومجتمعها انها ضحية "تطرف" ضحاياها.

علينا ان نعيد النظر بشأن لجنة اور ورغم النقاش السياسي حول جدوى وجدارة المطلب بلجنة تحقيق فإن لجنة اور في نظرة شاملة شكلت أداة إسرائيلية للتحقيق، ومحصلة دورها كانت "لتحسين" الأداء الإسرائيلي باتجاه المواجهة القادمة. أي ان تكون الدولة اكثر دهاء في قمعها وفي اطلاق النار (منذ العام 2000 قتلت الشرطة العشرات). والقوانين التي سنّت منذ العام 2000 هي قوانين ملاحقات سياسية هدفها شرعنة القمع. استخلاص العبر ليس من باب الماضي وانما درسا للمستقبل. هل نطالب مثلا لا حصرا بلجنة تحقيق إسرائيلية ام دولية فيها نزع لشرعية القضاء والسياسة الإسرائيليين.

أكدت لجنة اور ايضا أن الاداء القضائي الراقي لمؤسسات شعبنا لا بد منه لكنه ليس ملاذا ولن يحسم الامور ولن يغير الواقع. بل تغيير قواعد اللعبة معها. الانتفاضة في الداخل متزامنة مع الضفة والقطاع هي التي غيرت قواعد اللعبة في حين ان التفاعل الهائل مع لجنة اور وبالذات التوقعات السياسية منها عوّقت المسار.


 

ثالثا: لجنة المتابعة ظهرت في عجزها في العام 2000. ونأمل ان الحراك الحالي والذي تعيشه ألان يأتي بثمار ولن تكون اكثر من محدودة ما دامت غير تمثيلية – هناك حاجة ملحّة ومسؤولية كبرى ببناء مرجعية منتخبة مباشرة وجمهورها يحميها وتحميه بدل حالة الغربة الشعبية القائمة، في حالة تفاعل جديد وانتخابات فانها سوف تنتج مرجعية عليا أكثر تطورا وبرنامج عمل وطني، لا يحدده سقف الحزب او الحركة الذي يطرح السقف الأدنى كما هو اليوم من باب الإجماع على القاسم المشترك الأدنى، بل تحدده إرادة الناس بكل تفاعلاتها والتي أثبتت انتفاضة الأقصى في الداخل أنها أعلى سقفا من الاجماع الحالي للجنة المتابعة.


 


 

رابعا:في نظرة تقييمية إلى انتفاضة الأقصى جدير أن نؤكد انه تطور في العقد الأخير خطاب حقوقي جديد، والحقوقي لا يعني القانوني بالمفهوم الإسرائيلي بل بمفهوم حقوق الإنسان والشعوب والنضال لإحقاقها بوسائلها هي. .وكان دور مركزي وريادي في بلورته للمجتمع المدني الأهلي بصفته قطاعا مؤسساتيا شريكا للحركة السياسية في بلورة الخطاب وفي تنظيم المجتمع. كما ان المجتمع الأهلي الفلسطيني في الداخل أسهم جوهريا في تطوير الخطاب الفلسطيني باتجاه تطوير أدوات جديدة ومنها مطلب الحماية الدولية الذي أطلقه اتحاد الجمعيات العربية (اتجاه) ومعارضة قوية في حينه من قوى سياسية مركزية ومن إجماع لجنة المتابعة في حين تحول هذا المطلب لاحقا الى إجماع وطني. وهو نتاج عملية تفاعل حي.


 

خلاصة

من حق جماهيرنا وواجبها ان تتدارك الصدام المعنية به الدولة لكن المهم ان يكون منع الصدام وتداركه من خلال خلق حالة ردع للدولة وليس خضوعا لها. والموضوع مع الدولة ليس الإقناع ولا سوء تفاهم، بل خلق واقع يصبح فيه وللخلاصة فمن المهم القناعة ان للدولة ومؤسساتها الأمنية والمدنية ما تخسره أيضا. وأهم خسارة للدولة ولأهدافها تكون زيادة وتعزيز المناعة الوطنية لجماهيرنا وبالذات الأجيال الصاعدة، وتدويل قضايا فلسطينيي الداخل ومناهضة تطبيع إسرائيل عربيا ومقاطعتها كنظام دوليا. للدولة ما تخسره وتخاف منه هو زج فلسطينيي الداخل في القضية الفلسطينية واعتبارهم لأنفسهم جزءا منها ومن التفاعل داخل أطياف الشعب الفلسطيني في بناء المرجعيات وليسوا مسألة اسرائيلية داخلية. وتخاف الدولة من السؤال حول شرعيتها كنظام وهي مرحلة ستواجهها الدولة أيضا بالتصعيد.. لكن سعة الكتلة البشرية الفلسطينية والمناعة الوطنية هي أساس لردع إسرائيل وبناء مقومات مقاومة شعبية متطورة وصلبة.


 

23/9/2009

Thursday, September 3, 2009

ونواصل التواصل

ونواصل التواصل

أمير مخول


 

مسألة اعتقال الشاب راوي سلطاني هي فردية بمفهومها القضائي وجماعية ببعدها السياسي. فرديّة كملف في المحكمة وبكيفية إدارته داخل أروقتها، وجماعية لأنها قضية شعب وشبابه وقضية مسؤولية مجتمعية وموقف من المحكمة والمحاكمة سواء تم إطلاق سراح سلطاني قريبا أم جرى تمديد اعتقاله حتى نهاية الإجراءات.

في العام الجاري وحده جرى وبشكل منهجي استدعاء مئات الشباب العرب إلى مقرّات الشاباك ليقوم موظفو أجهزة الأمن بالتحقيق معهم ومحاولة ترهيبهم وترغيبهم إن أمكن. وفي كل الأحوال تكون على الأقل محاولة لاحتلال وعيهم ومعنوياتهم.

وهذا استمرار منطقي لما حددته إسرائيل في أوائل العام 2007 على لسان رئيس مخابراتها يوفال ديسكين في تقرير رفعه إلى رئيس الحكومة اولمرت بان الجماهير الفلسطينية في الداخل هي خطر استراتيجي. والجديد في ذلك كان بالأساس بالمصارحة والمجاهرة وقرار الشاباك بالتظاهر بقوة في حياة الجماهير العربية والسعي لاستعادة هيبته ورهبته التي تآكلت مع تعاظم الوعي الوطني وبالذات بين الأجيال الصاعدة، حيث فقدت المؤسسة الأمنية قوة ردعها لتجد نفسها أمام حاجة لخلق قواعد لعبة ترهيب جديدة.

لقد استغلت إسرائيل ما يسمى عالميا "الحرب على الإرهاب" وهي اكبر عملية إرهاب دولي رسمي منظم في العقود الأخيرة، وتداخل دور المؤسسة الأمنية بالمدنية بالقضائية وبالإعلامية، لتعزز قمعها وعدوانيتها خارجيا وداخليا، فهذا ما شاهدناه في لبنان 2006 وفي غزة 2009 وفي الداخل وبشكل مكثّف جدا منذ مجزرة العام 2000 ولغاية اليوم من خلال سياسة نزع الشرعية والحق بالوطن والحق عليه سواء أكان ذلك بسيل القوانين الاستعمارية في جوهرها أم في الملاحقات الأمنية أم في الحملات التهجيرية العنصرية.

في الواقع المعاش تقوم إسرائيل بتظاهرة عداء قمعية غير عادية تجاه جماهير شعبنا، وتتعامل مع عملنا السياسي والمدني بأدوات أمنية، الدولة ومخابراتها هي التي خلطت ما بين السياسي والأمني وألغت الحدود. ليصبح قانون المواطنة مسألة أمنية والحق بلم الشمل أمنا، والحق بالصلاة في الأقصى أمنا والحق بالتواصل أمنا وبالتكاثر الطبيعي أمنا أيضا.

إن علاقتنا بشعوبنا العربية هي علاقة حق طبيعي بالنسبة لنا وواجبنا ومسؤوليتنا أن نعززها ونوسعها آخذين بالاعتبار أن إسرائيل تتعامل معها كمسألة أمنية. لكن واجبنا هنا أيضا أن لا نرهن أي حق طبيعي لنا وأية علاقة ببعدنا الفلسطيني والعربي بالمزاج الإسرائيلي ولا لقواعد لعبة قمعية تتناقض مع حقنا – حق الإنسان الطبيعي والذي يصونه القانون الدولي.

يجب ألاّ يغيب عن بالنا أنّ أنظمة عربية مخترقة خارجيا لا تحمي ذاتها من شيء وتمنع اختراقها الا من شعوبها هي فقط، ومثل هذه الأنظمة تشكل معقلا للتجسس الإسرائيلي، فالمخابرات الإسرائيلية تستهدف تواصلنا الفلسطيني والعربي سواء محليا حيث نحن في وطننا ام في بلدان عربية لها امتدادها فيها. وحدث في السنوات الأخيرة أن قامت أجهزة أمنية في دول عربية بملاحقة متزامنة وموازية تجاه أطراف شعبية ومدنية عربية في حين لاحق الشاباك مؤسسات وأفراد في الداخل حول نفس الموضوع واستهدف الطرفان في حينه علاقات التواصل ذاتها.

طبيعة المرحلة هي مظاهرة العداء وعدوان الملاحقة السياسية والترهيب السياسي ومساعي الشاباك لاحتلال الأذهان لدى الأجيال الصاعدة لأنه يدرك كما ندرك نحن أن احتلال الأذهان يعني أن نخضع كمجتمع وشعب تلقائيا وعفويا لقواعد لعبة الشاباك وننتقل من مواجهة الترهيب السياسي الأمني إلى تحويله ترهيبا ذاتيا طوعيا بلائم نفسية المهزومين لا نفسية شعب صاحب حق ويناضل من اجل استعادة العدالة.

هناك أهمية لرؤية حركة التحرر الوطني الفلسطينية وحركات الشعوب العربية والتي اعتبرتنا نحن فلسطينيي الداخل بعدا استراتيجيا لكن بالمفهوم السياسي وبمفهوم الصمود لا بمفهوم الكفاح المسلح. وما يميز حركات التحرر وحركات الشعوب الحيّة أنها تملك نظرة إستراتيجية بعيدة المدى والهدف هو مشروعها التحرري وليس الوسائل، كما أن إستراتيجيتها متعددة المسارات مهما كانت أولوية أي مسار بالنسبة لها. لذلك كلها جميعا تشهد بدور الجماهير العربية في الداخل هكذا في يوم الأرض وانتفاضة الأقصى وعدوان إسرائيل على لبنان 2006 وعدوان إسرائيل على غزة مطلع هذا العام والسجلّ طويل.

الحذر أولا من الملاحقات الإسرائيلية والحذر هو الوعي بأن صمودنا وتطورنا وصيانة الوطن والحق ومدّ صمود شعبنا هي من أهم ما في دورنا. ففي إدارة الصراع هناك أهمية كبرى لحماية الذات وللنفس الطويل والتدعيم الذاتي والقدرة على مواجهة أي وضع واية وضعية. وهناك أهمية كبرى في تحمل المسؤولية الجماعية عن أية قضية ذات صلة بالصراع. وفي هذا واجب اخلاقي ومعنوي. وعليه يجب ان نتعامل مع القضية طي البحث كقضية تخص مجتمع بأسره لا عائلة واحدة ولا حزب واحد.

نحن الفلسطينيين في الداخل أكثر من يدرك ويتلمس حدود القانون الإسرائيلي وبالتأكيد أكثر من الإسرائيليين أنفسهم. فبالنسبة لهم القانون هو نظام ضابط ومساحة حرة توفرها الدولة اليهودية لليهود فقط، وبالنسبة لنا نظام قامع يضيّق الخناق بشكل منهجي ولا تبقى لنا مساحة الا بقدر ما نواجه ونناضل ضد القمع وقوانينه.

الجانب المعنوي ودورنا فيه وواجبنا فيه حماية المجتمع وحماية الوجود وتوفير الحماية للأجيال الصاعدة والقصد هو تحمل المسؤولية تجاه كل سلوك ناتج عن وعي مجتمعي أو وطني. فهناك حاجة إلى أقصى درجات الحذر واليقظة وهناك حاجة الى عدم الارتداع عن القيام بدورنا وبتواصلنا وهذا يقع في مسؤولية العمل السياسي والأهلي والمؤسساتي.

لا نقبل بقواعد لعبة الواقع ألقسري ألتعجيزي حيث يحاول الشاباك احتلال أذهان الشباب وجعلهم في وضع يتخوفون من اية علاقة مع المحيط العربي الواسع. لا نقبل بان نكون ملزمين جماعيا بالتعرف مسبقا على كل من نصادفه في هذا الموقع أو ذاك من العالم العربي والعالم اجمع انه فرض تعجيزي هدفه الإيقاع بالفخ...أو جعلهم يخافون من التواصل. اننا نقوم بالتواصل مكشوفين ومدركين ان أجهزة المخابرات الإسرائيلية (والعربية أحيانا) تراقب تحركاتنا فهل نتوقف عن الحركة؟ إنهم يراقبون هواتفنا النقالة وبريدنا الالكتروني ويخترقون الفيسبوك ويتنصتون.. فهل نخضع لترهيبهم وهل نتصرف كملاحقين (بفتح العين) ام يوجهنا حقنا وشرعية نضالنا؟ وأما هم فليراقبوا ما شاءوا.

وزيادة عليه نحن ننطلق من شرعية نضالنا وشرعية تواصلنا كحق ومسؤولية وهذا ما يوجهنا، وبالأكثر شرعية قضيتنا قضية شعبنا. كما ندرك أن زيادة وزن الداخل هي نتاج مستوى تنظيمه ووعيه وصموده ومقاومته الشعبية ودفاعه عن الوطن ومدّ مجمل مقومات النضال الفلسطيني لتصبح جماهيرنا في الداخل قوة سياسية ومعنوية ملموسة في معادلة الصراع في المنطقة.

إننا مطالبون أن نحمي وجودنا ونحمي حقنا في الوطن وعليه ونحمي حقنا بالتواصل مع المدى العربي. تواصل على أساس مناهضة التطبيع. لأنه لا سد أمام اختراق المخابرات إلا وعي الشعوب العربية وحريتها. والتواصل هو عملية علنية ذات رسالة واضحة.


 

3/9/2009

Thursday, August 13, 2009

افكار في المقاطعة والمعركة على الشرعية

افكار في المقاطعة والمعركة على الشرعية
عندما قاطع الشباب الفلسطيني شركة سيلكوم

أمير مخول
بادرت جمعية بلدنا (مركز الشباب العربي) ومعها عدد من الأطر والأوساط الشبابية الفلسطينية في الداخل بحملة لمقاطعة شركة الهواتف الخليوية – سيلكوم. وجرت حوالي الأسبوعين حملة متواصلة وتصعيديه بهذا الشأن انتهت يوم 30/7/2009 بمقاطعة منتظمة لمدة ثلاث ساعات امتنعت خلالها الأوساط الواسعة التي تجاوبت مع الحملة عن استخدام الهواتف الخليوية، وفي لحظة واحدة مخطط لها أيضا جرى اتصال جماعي كل من هاتفه او هاتفها الى مركز خدمات الشركة بهدف تشكيل ضغط هائل على مركز التشغيل وتعطيل عمله.
وكانت حملة المقاطعة قد انطلقت في أعقاب بث شركة سيلكوم دعايتها المتلفزة وفيها تعامل مع جدار الفصل العنصري ومع المعاناة الفلسطينية كلعبة إسرائيلية. أما الهدف فهو الترويج التجاري للشركة خاصة بين الشباب الإسرائيلي.
وتستحق حملة المقاطعة هذه وقفة كونها من المحاولات المنظمة القليلة والريادية في استخدام سلاح المقاطعة وتزداد أهميتها كونها تتمحور في مقاطعة مؤسسة إسرائيلية تعتبر مدنية وليست أمنيّة مع أن الحدود بين الأمني والمدني بالمفهوم الإسرائيلي هي في الواقع وهمية ولمن يريد أن يعيش الأوهام. وتزداد أهميتها نوعيا كونها مبادرة شبابية في مركزها الأجيال الصاعدة الفلسطينية في الداخل والتي أخذت المبادرة ووضعتها على جدول أعمالها واستخدمت أدواتها هي والتي تناسب الشباب في صنع الحراك. وهي عمليا أدوات واعدة للنضال الجماهيري الحالي والمستقبلي. ولا بد أن تكون أدوات ذات جدوى عالية في الكفاح الشعبي والمقاومة الشعبية في حالات الطوارئ كونها تعتمد الاتصال السريع ولغة التواصل والرد السريعين. وكونها تعتمد مبدأ الوصل بين الشبكات الاجتماعية لتتحول المجموعات والشبكات الصغيرة لكن الكثيرة إلى قوة شعبية وكتلة بشرية هائلة.
سيلكوم هي شركة عملاقة وأحدى قلة من احتكارات الاتصال الإسرائيلي وهي مشغّل كبير ويشغل أيضا موظفين عرب وبالذات مسوّقين عرب. فقد اعتمدت هذه الشركة أن الفلسطينيين العرب في الداخل هم سوق كبيرة، وكما هي بالنسبة لمجمل رأس المال الإسرائيلي سوق مستهلكين لا منتجين. والتعامل مع هذا الجمهور هو من باب الربح من مجموعة على هامش الاقتصاد الإسرائيلي. وعرف ومعروف عن هذه الشركة أيضا امتداداتها في الضفة الغربية وقطاع غزة، ورأس المال الإسرائيلي لا يعترف بما يسمى الخط الأخضر, ويتعامل مع الفلسطيني كمستهلك في السوق الإسرائيلية الكبرى من البحر إلى النهر.
استفادت الشركة كما رأس المال الإسرائيلي من عنصرية إسرائيل وكولونياليتها التي ضيقت الهامش الفلسطيني من جانبي الخط الأخضر وحولت الفلسطيني إلى معتمد على الاقتصاد الإسرائيلي وسوق استهلاك وبضاعة، لتكون علاقته مع المرافق الاقتصادية الإسرائيلية علاقة تبعية لمستهلك مقابل المنتج والمسيطر الإسرائيلي.
ما واجهته جمعية بلدنا والمبادرات الشبابية هو مؤسسة عملاقة. وإذ انطلقت الحملة من النشر الواسع لدعاية سيلكوم المذكورة المهينة للفلسطيني والمتبجحة بالاحتلال خدمة للذوق الإسرائيلي العنصري الاستعماري الاستعلائي السائد، ولم تكتف الحملة بالنشر بل رافق ذلك مطالبة الشركة بوقف الدعاية والاعتذار. واذ اعتمدت سيلكوم مبدأ المراوغة والمناورة فقد أعلنت كما أكدت جمعية بلدنا أنها ستوقف بث الدعاية، لكن اتضح لاحقا أن التزامها كان مجرد مناورة ومراوغة، وفي مواجهة هذا جرى تصعيد الحملة المناهضة ودعوات المقاطعة واتساع شعبيتها، ووصلت ذروتها كما ذكرنا سابقا في مقاطعة متزامنة لثلاث ساعات. وتخلل الحملة الشبابية حملة مضادة وشرسة وتم تعميم رسائل الكترونية حاولت تشويه نوايا الجهات المبادرة للحملة الشبابية ودق الأسافين بين الأوساط الشريكة فيها في محاولة لاختراقها وكسرها. لكن الحراك الشبابي الذي تواصل تحوّل إلى حراك جماهيري شاركت في الترويج له ودعمه أوساط شبابية وغير شبابية وكذلك مؤسسات إعلامية وأخرى قيادية وجماهيرية مثل مكتب لجنة المتابعة العليا واتحاد الجمعيات والأحزاب ووسائل الإعلام وغيرها، كما روّجت له حملات المقاطعة محليا وعالميا.
ما ميّز حملة الشباب في مواجهة عملاق سيلكوم أن الجهة المبادرة قامت بحملة وان لم تكن مخططة مسبقا بكل مراحلها لكنها وضعت هدفا محددا واضحا وعملت ضمنه وتابعت الحملة وصعّدتها حسب التطورات. والمهم أيضا أن الجهة المبادرة اعتمدت نقاط قوة المجتمع الفلسطيني في الداخل وتعاملت مع نتاج التهميش والهيمنة والاستعمار الاقتصادي إلى نقطة قوة مصدرها قوة الاستهلاك في حال تم تنظيم ذوي الشأن. واستخدمت بنجاعة أدوات الاتصال والتحرك السريع وبالذات الفيسبوك الذي جعل الحراك وسعة الحملة إلى تحرك مرئي وملموس، ووتيرة التجاوب على الفيسبوك حرّكت حلقات وأوساط أوسع وهكذا.
لقد أكدت هذه الحملة أن "العملاق" الاقتصادي المهيمن والى جانب جبروته فيه نقاط ضعف، وعندما تتحد الضحايا أو المتضررين أو المهانة كرامتهم ويعملون بشكل هادف ومنظم يصبحون قوة محركة وكتلة بشرية لا يمكن الاستهانة بها. وجبروت العملاق لا يمنحه الشرعية بل نقطة ضعفه محورها الشرعية.
ومن دروس هذه المعركة – التجريبية، هو انه لا يجوز أن نرهن تحركنا الجماهيري في المواجهة الأشمل مع النظام الاستعماري العنصري إلى توازن القوى المفروض قسرا. فهو أمر وإن نأخذه بالحسبان في إدارة الصراع، الا أن فن القيادة وإدارة الصراع هو تشخيص دقيق لنقاط القوة الشعبية الفلسطينية وذات الوقت لنقاط ضعف إسرائيل. وفي مواجهة حالة صداميّة تفرضها الدولة علينا في الداخل هناك مسؤولية للقيام بهذا التشخيص كجزء من جاهزية جماهيرية في مواجهة أي خيار قمعي, وهناك أهمية ببناء مقومات التحرك السريع والحراك الواسع. والمقاطعة هي أداة كفاحية مؤثرة ومركب هام في المقاومة الشعبية ومحاصرة النظام الكولونيالي العنصري سواء من الداخل أم عالميا.
نقاط القوة والضعف في إدارة الصراع ليست معطيات ثابتة بل يوجد متسع في المقاومة الشعبية لتحويل نقطة ضعف معينة إلى نقطة قوة لو عرفنا كيف نقوم بذلك وهو ما قامت به حملة المقاطعة ضد سيلكوم كنموذج.
هناك أدوات كفاحية تكبر مع الأجيال الصاعدة بشكل تلقائي وطبيعي، وهي أدوات الاتصال والتواصل التي لا تحدها حدود، وان كانت مكشوفة وكاشفة لنا أمام قامعي شعبنا فان ما يجعلها نقطة قوة هو كثرتها وسعتها المعتمدة على إرادتنا وشرعية نضالنا واعتمادها بأوسع استخدام ممكن كي تصبح "حرب الاستنزاف" التي تحاول إسرائيل فرضها علينا حرب استنزاف للدولة وأجهزتها، لان إرادة شعب وإرادة شبابه لا يمكن محاصرتها لا بجهاز شاباك ولا بجهاز شرطة.
الشباب الفلسطيني يملك هوية وطنية وجاهزية كفاحية عالية رأيناها في معارك شعبنا وبشكل كبير في مناهضة العدوان الأخير على شعبنا في غزة وفي إحياء فعاليات يوم النكبة وفي مجمل التحرك الجماهيري. هذه الجاهزية وهذا الوعي هما نتاج الحالة الفلسطينية وطبيعة التحدي ومراكمة الطريق الكفاحي على مدى أجيال عديدة. ومع ذلك فان هذه الأجيال الشابة بمبادراتها المتنوعة والهادفة ليست بحاجة إلى "من يرعاها" بل مسؤولية كل المؤسسات توفير المقومات والفضاء للتحرك والحراك الشبابي وفي ذلك آفاق لاستدامة النضال بأدواته المجرّبة وبأدواته المستحدثة.

Friday, July 31, 2009

Israel Defensive Racism


Israel's Defensive Racism


Ameer Makhoul

A series of discriminatory laws have been proposed and discussed in the Knesset recently.Signs are multiplying that the State of Israel is pushing for a violent confrontation with the Arab population. They wish to change the names of cities and “Hebraicize” them, to destroy homes, to privatize the property of Palestinian refugees and Judaize it, to legislate the “loyalty” laws currently proposed by the dozen, in addition to the laws of citizenship and the Naqba. An entire state galloping toward confrontation.
The question arises as to why the State of Israel is legislating fundamentally racist laws? The more interesting question is, why is the state legislating these same laws when it already possesses sufficient tools with which to implement equivalent policies forming the basis of the current racist legislation. The State of Israel enjoys emergency laws and regulations inherited from the British mandate period, and, according to Adalah: The Legal Center for Arab Minority Rights in Israel, there currently exist more than twenty discriminatory laws, beginning with laws concerning immigration and citizenship and through land and planning laws, all the way to loyalty laws. So why does the state need additional laws, which are superfluous even from the perspective of state security?
We are not witness to defensive democracy but defensive racism. This is an encouraging sign, as the Arab population is sufficiently powerful and organized in defense of its rights and freedom of expression, and additional oppression and racism will simply contribute to the internal strength of this population.
The hidden racism is becoming open and stated. This does not alter the essence of the state, but as a state of law with a high degree of centralization, the state is giving a message to every racist that the law will not prevent him from expressing his nationalist yearnings, and so occurred the events in Acre last year and the buds for the coming future.
The Arab population blames the state of Israel and all of its political, security, legal and civilian administrations for intentionally pushing it into the corner and for the imposition of confrontation, after which there will perhaps be a collective use of the new laws. Laws which at their core are laws of confrontation as they are unenforceable without state violence.
The Arab population further contends that the State of Israel is walking on a very dangerous wire and racing in the direction of the Director of the General Security Services (GSS), who pegged the Arab population already in 2007 as a strategic danger, and of course for a strategic danger there will be an attempted targeted assassination from this same school of thought.
From another perspective, we are witnessing a state losing its balance and lacking in horizon. A state whose policy makers lag far behind historical developments. There is no other place in the world in which legislation is passed in response to the racist instinct of this or that minister who wishes to Hebraicize the name of an Arab-Palestinian town or determine for an Arab to whom he must be loyal. In this case, it is not the Arab population undergoing a crisis but the state, which is not missing any opportunity to attempt and harm the position of the Arab population and the entire Palestinian people.
The State of Israel is attempting to cope with the natural development of the Arab-Palestinian consciousness which developed under conditions imposed upon the Palestinian people and to force loyalty, create collaborators or employ a mechanism of terror and fear of taking part in public life. A state that wants the Arab youth to forget its homeland, forget its people and to give up on the national and human dignity for enforced loyalty to the state of Jews. Go find such an Arab!
The State of Israel can indeed force a confrontation with the Arab population, but it cannot control the results of such a confrontation, not in the short term, and, more importantly, not in the long term. And if the State of Israel wishes to veto the legitimacy of the existence of the Arab population in the latter’s homeland, the legitimacy equation is not in the benefit of Israel and the Arab population is not the weak side.


The writer is Chairperson of the Public Committee for Defence of Freedoms in the framework of the Higher Arab Monitoring Committee, and Executive Director of Ittijah.

This article originally appeared in Hagada Hasmalit, a left radical forum in the Hebrew language.

Translated to English by the Alternative Information Center (AIC).

Saturday, July 25, 2009

"גזענות מתגוננת לא "דמוקרטיה מתגוננת

גזענות מתגוננת
אמיר מח'ול

מתרבים האתותים כי מדינת ישראל על מערכותיה דוחפת בכיוון של כפיית עימות אלים על האוכלוסיה הערבית. שמות ערים רוצים לשנות ולעברת, בתים רוצים להרוס, נכסי הפליטים הפלסטינים רוצים להפריט ולייהד, חוקי "נאמנות" מוצעים בסיטונאות, חוק האזרחות, חוק הנכבה, וחוק הנאמנות. מדינה שלמה דוהרת לעימות.
נשאלת השאלה, מדוע מדינת ישראל באמצעות ממשלת ישראל מחוקקת חוקים גזענים במהותם? השאלה היותר מעניינת היא מדוע מחוקקים אותם חוקים כאשר קיימים בידי המדינה מספיק כלים על מנת לבצע אותה מדיניות שבמהות החקיקה הגזענית העכשווית. מדינת ישראל נהנית מחוקים ותקנות לשעת חירום אשר ירשה מן המנדט הבריטי, על סמך ארגון עדאלה לזכויות אדם ישנם יותר מעשרים חוקים מפלים החל מחוקי ההגירה והאזרחות דרך חוקי המקרקעין והתכנון וכלה בחוקי הנאמנות. אז למה לה למדינה לעוד חוקים, שאפילו מבחינת הגדרת הביטחון הלאומי הם מיותרים.
לא לדמוקרטיה מתגוננת אנו עדים אם כי לגזענות מתגוננת. זהו סימן מעודד, כי האוכלוסייה הערבית מספיק חזקה ומאורגנת בהגנה על זכויותיה וחפש הביטוי שלה, בעוד יותר דיכוי וגזענות רק יוסיפו לחוזק הפנימי של אוכלוסיה זו.
הגזענות הסמויה הופכת להיות גלויה ומוצהרת. אין הדבר משנה במהות המדינה, אבל בתור מדינת חוק עם ריכוזיות גבוהה, המדינה מעבירה מסר לכל גזען כי החוק לא יעצור בעדו לבטא את "מאווייו הלאומיים" וכך היו אירועי עכו בשנה שעברה לניצנים של העתיד לבוא.
האוכלוסייה הערבית מאשימה את מדינת ישראל על מנגנוניה הפוליטי, הביטחוני, המשפטי והאזרחי בדחיפה מכוונת לפינה וכפיית עימות שאולי אז יהיה שימוש קולקטיבי לחוקים החדשים. חוקים שבמהותם הינם חוקים של עימות מאחר ואין הם ברי ביצוע ללא אלימות של המדינה.
האוכלוסייה הערבית מאשימה גם כי מדינת ישראל מהלכת על חבל מסוכן ביותר ודוהרת בכיוונו של ראש השב"כ אשר סימן עוד ב2007 את האוכלוסייה הערבית כסיכון אסטרטגי. וכמובן לסיכון אסטרטגי יהיה נסיון של סיכול ממוקד מאותו בית מדרש.
בהסתכלות מפן אחר, אנו עדים למדינה מאבדת שיווי משקל וחסרת אופק. מדינה שקובעי המדיניות שלה מפגרים אחרי ההתפתחות ההיסטורית. אין עוד מקום בעולם שחוקים נחקקים במענה לאינסטינקט גזעני של שר זה או אחר שרוצה לעברת שם של עיר ערבית פלסטינית או לקבוע לערבי למי להיות נאמן, במקרה זה אין האוכלוסייה הערבית עוברת משבר אם כי המדינה שלא חוסכת כל הזדמנות מבלי לנסות לפגוע במעמדה של האוכלוסייה הערבית וכלל העם הפלסטיני.
מדינת ישראל מנסה להתמודד עם ההתפתחות הטבעית של התודעה הערבית פלסטינית אשר התפתחה בתנאים שנכפו על העם הפלסטיני מלפני ששים שנים ויותר. רוצה דרך השב"כ וחקירותיו עם מאות בני נוער בשנה זו לנסות ולכפות נאמנות וליצור משת"פים או להפעיל מנגנון של טרור והפחדה מפני נטילת חלק בחיים הציבוריים. המדינה רוצה מהנער הערבי לשכוח את המולדת, לשכוח את עמו ולוותר על הכבוד הלאומי והאנושי שלו לטובת נאמנות חובה למדינת היהודים. לכו ותמצאו ערבי כזה!!
מדינת ישראל אכן יכולה לכפות עימות על האוכלוסייה הערבית, אבל לא תשלוט בתוצאותיו לא לטווח קצר והיותר חשוב לא לטווח ארוך. ובאם מדינת ישראל רוצה להטיל ווטו על הלגיטימיות של קיומה במולדתה של האוכלוסייה הערבית, אזי משוואת הלגיטימיות אין היא לטובת ישראל ואין האוכלוסייה הערבית היא הצד החלש.

** הכותב הוא יו"ר הוועד הציבורי להגנה על החירויות במסגרת ועדת המעקב העליונה של האוכלוסייה הערבית, ומנכ"ל איחוד עמותות ערביות (אתיג'אה)
17/7/2009

هل يحتاج النظام العنصري قوانين جديدة؟


لسنا بصدد بدعة "الديمقراطية المحتمية" بل "العنصرية المحتمية"

امير مخول

أحد الأسئلة التي يثيرها الكَم الهائل من التشريع العنصري الإسرائيلي الحالي، هو لماذا وما هو الهدف منها؟ ويصبح هذا السؤال أكثر إلحاحية على ضوء الحقيقة الساطعة إن عنصرية إسرائيل تملك كل الأدوات لممارستها ولا تنقصها أدوات.

إسرائيل بصفتها نظاما استعماريا عنصريا بجوهره، قامت على ذات المبادئ والقيم التي تتضمنها القوانين الجدية المقترحة، ووضعتها دائما في صيغة الديمقراطية ودولة القانون. واستعان علم الاجتماع الإسرائيلي وعلم السياسة بغطاء ما يطلق عليه نموذج "الديمقراطية المحتمية" أي حق وواجب النظام الديمقراطي في الدفاع عن ذاته وعن ديمقراطيته. أي في الحالة الإسرائيلية تضييق هامش الديمقراطية وزيادة القمع القومي العنصري. ومفهوم الديمقراطية المحتمية الذي تروج له الأكاديمية الإسرائيلية من باب التحايل على الحق وتبرير القمع وحتى يجري ترديده من قبل قلة من الأكاديميين العرب، هو صيغة تبريرية دقيقة للمفهوم الصهيوني للدولة اليهودية الديمقراطية.

ما نشهده مؤخرا هو عنصرية محتمية وليس "ديمقراطية محتمية". وهذا أمر هام أصبحت فيه الدولة والنظام العنصري في موقع رد الفعل بالمعني العام على التطور الجاري بين فلسطينيي الداخل في تبلور الهوية الوطنية والقومية والوعي المنبثق عنها في تحديد طبيعة الصراع مع الدولة والنضال من اجل الحق الفلسطيني. أي انه وبالصورة العامة فإن الدولة في تراجع، ووصول حكومة نتنياهو الى الحكم هو مؤشر للضعف لا للقوة. وهذا لا يقلل من المخاطر والتحديات لكنه يساعد في فهم المعادلة العامة للصراع.
لن تصبح إسرائيل أكثر عنصرية مع القوانين الجديدة بل أنها ستواصل عنصريتها الاستعمارية بشكل منهجي كما كان منذ العام 1948 كدولة. فالقوانين منبثقة من عنصريتها ولا تخرج عن إطار عنصريتها. وللحقيقة هناك حاجة لتطوير الخطاب الفلسطيني والعربي السائد والقراءة الدقيقة للعنصرية الإسرائيلية. فاتهام إسرائيل بالعنصرية هو وصف جزئي فقط لجوهر أخطر بكثير من العنصرية. والسياسة الإسرائيلية كما جوهر المشروع الصهيوني تجاه الفلسطينيين هي استعمارية إقتلاعية في حين أن عنصريتها تنبثق من هذا الجوهر. وهو جوهر في التعامل مع جماهير شعبنا في الداخل ضمن رؤية استعمارية للتعامل مع مجمل الشعب الفلسطيني وحقوقه ومع مجمل المحيط العربي الإقليمي. إن نظاما استعماريا قام على أنقاض شعب بعد ان اقتلعه من وطنه واستوطن عليها لا يستطيع ألا يكون عنصريا. وجوهر إسرائيل وقوانينها وأنظمتها وطبيعة نظامها كلها تعكس ذلك وتؤكده. وأي وهم في غير ذلك هو نتاج الهزيمة العربية لا الحقيقة التاريخية.

وعودة إلى ما يجري اليوم فان التغير الهام الأخطر الذي قد يحصل هو في تأكيد الدولة لكل عنصري بأن دولة القانون لن تقف بوجه العنصرية. وإذ تتعامل إسرائيل مع ذاتها كدولة قانون ونظام مركزي قوي، وموقع اتخاذ قرار امني سياسي اقتصادي مركزي جدا، فانها تبدي في التصعيد التشريعي الحالي نقيض ذلك. أي ان كوابح القانون وكوابح الدولة سوف يجري التخفيف منهما بقرار من الدولة وسلطتها المركزية. فالقمع المباشر من الشرطة والشاباك والجهاز القضائي فشل في النيل من إرادة جماهيرنا ووعيها. وبدأنا نشهد حتى نوعا من الخصخصة اذا جاز التعبير خصخصة في مجال القمع. ليتقاسم العنصريون الدور مع الدولة في قمع الجماهير العربية والاعتداء عليها واستنزافها. ولتبدو الدولة كأنها طرف ثالث بين مجموعتين سكانيتين متصادمتين. وقد شكلت اعتداءات عكا الدموية العام الفائت على الوجود العربي فيها نموذجا وبالتأكيد ليس نهاية المطاف.

فلسطينيو الداخل يمرون بحالة هي أشبه بحرب استنزاف معلنة كان أطلق جولتها الحالية رئيس جهاز المخابرات العامة الشاباك يوفال ديسكين أوائل العام 2007 عندما اعتبر فلسطينيي الداخل خطرا استراتيجيا على الدولة اليهودية. وقد توصل إلى هذا التحديد على ضوء إخفاق العدوان الإسرائيلي على لبنان 2006 وما تبعها من تحولات استراتيجيه في مفهوم الأمن القومي والحرب المستقبلية. بما في ذلك دور فلسطينيي الداخل الشعبي والمعنوي في مقاومة العدوان.

وفي عدوان هذا العام على غزة، كانت الجماهير العربية هي الحلقة الأكثر تنظما وكفاحية داخل تجمعات الشعب الفلسطيني. وحملة الترهيب ألمخابراتي واستنزاف قوة الناس ومعنوياتها أصبحت نهج دولة تصعيدي متصارع بوتيرة سريعة جدا. إنها محاولة لتشتيت قوتنا الجماعية ومنع تطوير وتكامل تنظيمنا الجماعي وإغراق جدول اعمالنا بقضايا تفصيلية عادة ما يكون الهدف منها الإبعاد عن الجوهر. والهدف الإسرائيلي الأهم هو إضعاف النضال الفلسطيني عامة كي يتمكنوا من مواصلة الانقضاض على الحق الفلسطيني.
القوانين الإسرائيلية الجديدة ليست حدثا بحد ذاته بل جزءا من نهج متكامل، يستهدف كياننا المنظم ويستهدف استبعاد دور الداخل من معادلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والإقليمي العربي الإسرائيلي. انها قوانين للملاحقة السياسية وللترهيب الذاتي لجماهير شعب كسرت حاجز الخوف والترهيب منذ عقود ولا تقبل أن ترهن حقوقها ودورها فلسطينيا وعربيا للقانون الإسرائيلي ولن يردعنا ثمن الموقف.
23 تموز 2009

Thursday, May 28, 2009

مناورات اسرائيل علينا وليست لنا

فلسطينيو الـ48 ومناورات الجبهة الداخلية الاسرائيلية:

مناورات إسرائيل – علينا وليست لنا
امير مخول

هناك حالة من الترقب تجاه المناورات الإسرائيلية الأشمل ومتعددة الأذرع والتي ستجري في الثاني من حزيران وبالذات في الجبهة الداخلية. وتؤكد المؤسسة الأمنية واجب الامتثال لأنظمة المناورات. وعمليا إنها مناورات تحاول إغلاق الدائرة على الدروس المستفادة من اخفاق اسرائيل في حرب لبنان الثانية.
المناورات العسكرية الإسرائيلية جارية باستمرار وتتواصل منذ العام 2006 ويحركها هاجس الانتقام من المقاومة اللبنانية التي كشفت أمرا جوهريا أن إسرائيل لا تستطيع كل شيء، وبالإمكان إخفاقها وحتى إنزال الهزيمة بمشروعها العدواني. وعمليا حرب لبنان الثانية شكلت أيضا نهاية إحدى ركائز الإستراتيجية الإسرائيلية العسكرية التاريخية التي انطلقت من ان الحرب أي حرب يجب ان تكون استباقية قدر الإمكان وان تجري في "ارض العدو" بعيدا عن حدود إسرائيل وأبعد عن الجبهة الداخلية. لكن حرب لبنان حوّلت المدن والبلدات الإسرائيلية إلى جبهة مفتوحة ضمن حرب مفتوحة.
مناورات الجبهة الداخلية تأتي بعد العدوان الإسرائيلي على غزة والذي اتضح خلاله ورغم هوله ان المقاومة الفلسطينية بقيت صامدة وان العدوان الإسرائيلي لم يحقق أهدافه. ولم يستطع ان يحمي البلدات الإسرائيلية في الجنوب من صواريخ المقاومة والتي فاق مردودها السياسي مفعولها العسكري الفعلي.
المناورات الإسرائيلية تستهدف المنطقة وتسعى إلى استقدام سيناريو حرب شاملة تشارك فيها محور الممانعة أو "التطرف" كما يطلقون عليه من إيران وسوريا والمقاومة اللبنانية والفلسطينية. كما أنها تستهدف مواطن القوة لدى مركبات هذا الاصطفاف، وتستهدف كل من يرفده.
في عدواني 2006 و2009 اتضح بشكل غير مسبوق قوة المركّبين المعنوي والإعلامي في الحرب. وقوة الشارع في التحرك. وفي هذه المناورات تريد المؤسسة العسكرية والمخابرات الإسرائيلية أن يزجّوا بنا في خانتهم، أي خانة الإعداد للحرب، ومن غير شعبنا الفلسطيني ووشعوب المنطقة وحركاتها المقاومة مرشحين لتبعات العدوان الإسرائيلي؟ إنها مناورات للإعداد لعدوان.
عن الترهيب وادارة الصراع

ان استدعاء الشاباك المكثف للشباب وللقيادات في السنوات الثلاث الأخيرة أي بعد حرب لبنان 2006 وأكثر خلال وبعد عدوان غزة الأخير هدفت ضمن ما هدفت إليه الترهيب وكسر إرادة الشباب الفلسطيني من ناحية، لكن ايضا جس النبض واستخلاص النتائج بأنه لن يكون بمقدور الدولة وأجهزتها القمعية والترهيب السياسي أن تكسر إرادة وشوكة جماهير شعبنا، ولا احتوائها، وعليه وهذا ما يمثله التيار الذي يقوده رئيس الشاباك يوفال ديسكين فان اتجاه المؤسسة الأمنية الإسرائيلية هو التصادم مع الجماهير العربية الفلسطينية في الداخل قبل ان تزداد قوتها وتعزز تنظيمها ضمن ما يسمى "ضربة استباقية" وقد قام ديسكين بالتعبير عن ذلك في أوائل 2007 عندما أعلن في تقرير له للحكومة سعى ان يصل الإعلام، بان الجماهير الفلسطينية في الداخل هي خطر استراتيجي.
وجاء المجلس الصهيوني وهو الذراع التنفيذي للوكالة اليهودية في العام ذاته بمشروع وثيقة الولاء العربي للدولة اليهودية سواء بالترغيب ام بالترهيب ام كليهما معا. وتبع ذلك تعديل رقم 9 لقانون المواطنة الإسرائيلي في صيف العام 2008 والذي نص على صلاحية وزير الداخلية في مصادرة مواطنة العربي بناء على معادلة الولاء ذاتها، وتسيبي ليفني القائمة بإعمال رئيس الحكومة ووزيرة خارجية اسرئايل السابقة والتي دعت فلسطينيي الداخل إلى تحقيق أمانيهم القومية في دولة فلسطين أو كما أرادتها دولة الفلسطينيين لتبرير "الدولة اليهودية" و "دولة اليهود". والان تأتي سلسلة القوانين ذات الصلة بتحديد الولاء للدولة اليهودية وقانون منع احياء يوم النكبة والمس بذكرى قيام اسرائيل واحتفاليته، وهي قوانين ترجمتها العملية تعني عدوانا ومجزرة في مواجهة ارادة شعب يحترم تاريخه وحاضره ويسعى لتحرره واستعادة حقوقه حماية شرعية وجوده.

الجانب المعنوي في حرب لبنان والسعي الإسرائيلي للتعامل معنا في الداخل اما دروعا بشرية للسياسة والخطاب الإعلامي الإسرائيلي او فعلا وميدانيا كما حدث من خلال التضليل الإعلامي والتلاعب في اسماء المواقع وسقوط صواريخ المقاومة. اعلاميا في المقابل حاولوا تسويقنا كما لو كنا في خندقهم وأن شاطئ الأمان لهم ولنا هو ذاته.. والخطر عليهم وعلينا هو ذاته. هذا ما ارادوا لنا ان نشعر به ونسلك وفقه لكن بالتأكيد لا يسري عليهم بل هدفهم ان نسهم حتى ولو قسرا في مجهودهم الامني وفق تعريفه الجديد. او على الاقل ان نكون "حياديين" في حال العدوان وفي الإعداد له.
لكن وان كانوا يفكرون بهذه العقلية، وهذا واقع، علينا قيادات ومؤسسات وأطر وطنية ان نكون جاهزين ليس فقط لعدوان إسرائيلي استباقي بل أيضا لما سيسبقه من عدوان داخلي استباقي أيضا يشمل اعتقالات واستخدام أنظمة طوارئ وأنظمة إدارية لاستبعاد القوى الوطنية القيادية عن دورها وعزلها عن جماهيرها. ومن دروس ادارة الصراع انه سيكون من المأساوي ان لا نكون جاهزين لكل احتمال، او الركون الى ما اتبع في الجولة السابقة منه وكأنه ما سيجري في المستقبل ايضا وعدم توقع ان كل الأطراف تتعلم الدروس.
المعنى الاخر للجبهة الداخلية..
ما يسترعي الانتباه والتعامل الجدي اكثر من السابق هو المعلومات الجديدة وليس الجوهر الجديد. فقد اعترف الإعلام الإسرائيلي مؤخرا بوجود مخططات عسكرية للتعامل مع الفلسطينيين في الداخل، بما فيها وجود كتيبة كاملة من جيش المشاة تتدرب في الضفة الغربية وبالذات على حرب المدن وحرب الشوارع لكن الهدف منها هو معالجة سلوك الجماهير العربية في الداخل. وهذه الكتيبة ووحدات عسكرية اخرى كما كشف موقع nrg التابع لصحيفة معاريف بتاريخ 5 ايار 2009 سوف تكون من المهام المناطة بها محاصرة بلدات عربية في منطقة المثلث وبالذات ام الفحم واحتلالها عمليا ومنع الاقتراب من الشوارع الرئيسية ومنع مراقبة التحركات العسكرية وحركة الإمدادات العسكرية الى الحدود الشمالية مرورا من وادي عارة وفقا للمصدر اياه.
وكما يؤكدnrg وتحت عنوان "التخوف: في حالة الحرب سينتفض عرب اسرائيل" فان الجيش الاسرائيلي أعد خططا لمواجهة حرب شاملة "قد يندمج فيها عرب اسرائيل"، وتشمل الخطط اعداد وحدات عسكرية مدربة لهذه المهام تعمل في الضفة وتنضم في حال الحرب الى الجبهة الداخلية للجيش وتعمل ضمن الخطط العسكرية والقيادة العسكرية. ناهيك عن القول ان هذه قواعد عمل الجيش في حالة حرب تختلف عن الشرطة جوهريا. وما اتضح ايضا ان خطط الجيش في هذا الصدد ليست بامر جديد بل كانت دائما استعدادات لهذه المهمة.

عمليا في مناوراتها الاسبوع القادم سوف تضعنا اسرائيل وجيشها وقيادة اركانها نحن الفلسطينيين العرب ضمن اهداف تدريباتها، وستكون المناورات علينا ويريدون منا ان نتعامل كما لو كانت مناورات لنا بحجة توفير الحماية لنا بسبب "مواطنتنا" وان نطيع اوامرهم. انها مناورات تسنهدف كامل شعبنا وليس فقط في الداخل والشعوب العربية وحركات المقاومة. وان كنت اعتقد ان استهداف أي جزء من الشعب الفلسطيني هو استهداف لكل الشعب وحقوقه، لكن البعد الاضافي للتدريبات العسكرية والمناورات فيما يخص وادي عارة فيها تلميح لما تخططه فعليا اسرائيل من احتلال اضافي لمدن وبلدات المثلث بما فيه تهجير وتشريد اضافي وحتى اعادة رسم حدود للمنطقة، ولا ننسى المخطط الاسرائيلي الذي جرى طرحه ضمن حل الدولتين وفق المفهوم الاسرائيلي والداعي الى تبادل سكاني او اعادة رسم الحدود بشكل يضمن الكتل الاستيطانية الاسرائيلية في الضفة الغربية والقدس تحت سيادة "الدولة اليهودية".
واذ يتطلب منا الامر ان نؤكد ضرورة التحرر الذاتي من الوهم الذي تعكسه احيانا محاججات فلسطينية داخلية، بأن اسرائيل تتعامل معنا في الداخل بأساليب الاحتلال في الضفة والقطاع، أي بمفهوم اننا مواطنين ونتوقع ان نكون "محميين" من خلال "مواطنتنا"، الا ان اسرائيل تعيدنا الى الجوهر والواقع بانها تتعامل مع الفلسطيني اينما كان كخطر استراتيجي ومن زاويتها العسكرية الاحتلالية ليس الا.

28/5/2009