Wednesday, October 9, 2013

عُدنا على بدء...
أمير مخول/ 10.9.13

في البدء كان وطننا يعيش بأهله، وفي العام حيث كانت النكبة، اقتلع العتاةُ أهلهُ واقتلعوا الوطن من أهله. جاؤوا بأشباه أهل. لكن الوطن ظلّ في قلب كل أهله وبقي جزء من أهله في قلبه.
في البدء كانت القرية لنا والمدينة لنا ومنتوج الأرض لنا، في البدء كانت ينابيع بلادي لنا وكلٌّ آبارها نظيفة تروي الظمأ وتروي القصة الجميلة. كانت المياه نقيّة والتراب نقيّا والهواء نقيّا. في البدء كانت البلاد منفتحه فسيحة وخالية من أية جدران أو أسلاك، في البدء كانت النجوم نقيّة والسماء نقيّة وجوف الأرض نقيّا. في البدء كانت الشوارع لنا وسكة الحديد لنا والمعامل لنا والمواصلات لنا وكانت الفلاحة لنا.. في البدء كان الوطن سعيداً بأهله ويسعدون به. كانت المدارس لنا والمكتبة لنا والكتاب لنا.
في البدء كانت البيارات لنا والأحراش لنا والتبغ لنا والزيتون والعنب والتين وكل خيرات الأرض.. وكانت الماشية لنا.. كان الزعتر والهلون والعكّوب وأزهار البريّة لنا. كان الغار والسنديان كله لنا. كان المنظر لنا والمشهد كله لنا.
في البدء كانت شطآن بلادي لنا، وموانئها في غزة وأسدود ويافا وحيفا والطنطورة وعكا كلها لنا.. كانت بئر السبع وصفد وعين كارم وسحماتا لنا والصفصاف وأم رشرش ومعلول والخالصة وطبريا لنا..
في البدء كانت جنتنا على أرض الوطن بجباله وسهوله ووديانه وغوره وصحرائه وشطآن بحاره والبحيرتين كلها
في البدء كُنّا.. وكانت جنّو على الأرض لآنها لنا.. لم يرتكب أهل الجنة خطيئة.. وإنما طردهم العتاة.. طردوا أصحاب الحق وعاثوا في جنتهم تخريباً.. اعتمدوا وعدَ مَن لا يملك وارتكبوا جريمةً بحق الحق وأهله.
نهب العتاة كل شيء ولم يبق في حوزتنا سوى بقايا وطن وأصبحنا أجزاءُ ما كُنّا في البدء. وبدأنا نعيد بناء أنفسنا من جديد وبدأنا مسيرة العودة الى البدء والتقدّم نحو البدء لأن البدء كنّا فيه.. سنكون فيه. البدء كان ويبقى فينا، إنه تواصلنا مع جذور التاريخ وهو حلمنا نحن اشلعب ونحن الوطن. وحلمنا بالدء يتكامل ونَلُمّ شملنا ونسير نحو إحقاق حقنا.
""عُدنا"... وما يقوم به حراك الشباب (وأقصد الشابات والشبّان* بالعودة الى اقرث وبرعم ومعلول والغابسية.. والقائمة تطول.. هو عودٌ على بدء.. هو التقدّم نحو البدء حيث مولد حقّنا والسير للأمام حتى نستعيد حلمنا.. انه حلمنا نحن الباقين في الوطن حيث بدأ البدء، وحلمنا نحن اللاجئين والمشرّدين في المخيمات متمسّكين بمفاتيح البدء لكل بيت وبيت.
تحية لكم ايها الشباب على مبادرتكم الشابّة، إنها مبعث أمل للمهجرين في وطنهم، لكن وبالأساس مبعث أمل لللاجئين في الشتات خارج وطنهم، وأمل اللاجيء والمهجّر هو أمل الشعب وحلمه ومسؤوليته. وحين يلتقي الأمل والناس والإرادة، تصبح الناس أقوى من أي جبروت وهي تحتاج الى قرار.
مشروعنا هو حلمنا هو العودة- عودة اللاجيء واللاجئة وعودة المهجّر والمهجّرة.. هو العودة الى البيت الفردي والجماعي وبناء البيت الفردي والجماعي.. وعودة البيت لنا.

إذا ما ما عُدنا بأنفسنا فلن يعيدنا أحد.. هذه هي سُنّة اللاجىء وسنّة الشعب المشتت في قانون الظلم.. فلن يعيدنا قانون المستعمر، ولا رحمة لدى المستعمِر ولا ضمير حتى لو لبس قناع الحضارة.. قانوننا يقول: لن يتغير رأي المستعمر كي نعود،  بل نعود وعندها يتغيّر رأي المستعمر أو يخضع لإرادة حقنا.. لن يعيدنا عجز المفاوضين على هوامش الحق وفتات الحق بديلاً عن الاستعداد والقرار بمواجهة استحقاقات استعادة جوهر الحق.

أنتم "عُدنا" ولسان حال الشعب هو "عُدنا". والشعب هو الأكثر إئتمانا على الحق وعلى طريق الكفاح حتى يحرر الحق ويحرر ذاته.
ونصيحة أقدمها لكم أيها المبادرون والمبادرات، وهي أن حافِظو على الطابع الشعبي المفتوح والمستقطب لمبادرتكم. وليست المأسسة هدفاً ولا المهنَنًة بل قد تتعارضان مع الهدف.. حافِظو على مبادرتكم وسانِدو كل مبادرة شبيهة أو تلتقي معها في كل موقع في الوطن وفي كل موقع حيث الشعب، لتعود وتتكامل خارطة الوطن، خارطة البدء.
إن حلمنا ومشروعنا هو أن يبدأ اللاجؤون في الشتات بالتحرك باتجاه المِرساة حيث فلسطين كلها وبالذات فلسطين 48 فهذه هي المرساة الأولى لشعبنا اللاجيء.
"عُدنا" مشروع حياة لأبناء وبنات شعب يحب الحياة، ولا يقبل الا بالحياة  ولن تكتمل الحياة الا بالعودة كي تكون حياة حرّة كريمة في وطن حرّ كريم. لم يبدأ المشوار من "عُدنا" بل كل تاريخ شعبنا الحديث هو "عدنا" و"عدنا" بالتأكيد هي خير خلف لخير سلف..
وللتذكير دائما، وانصافا وإكراماً لأصحاب الحق، فمنذ اللحظة التي طَرَدنا الغزاةُ من الوطن وبقينا فيه، لم تترك الناس البدء للحظة.. وكل من استطاع عاد الى بلدته المهدومة والمنهوبة.. عاد بطريقته.. وذلك نيابة عن الذات وعن الذين منعهم العتاة من تلمس الوطن.. ونحن.. تمسّكنا بالوطن كي نبقى فيه وكي يبقى الوطن.. وكي يعود أهله المغيّبون ويجدون الوطن ينتظرهم.. من أجلهم ومن أجله..
حين تندفع مشاعري وتدفعني للمشاركة في "عدنا"، اصطدم بجدران الأسر، وعلى الفور أدرك أن طاقات شعبنا بشبابه وكباره وصغاره ونسائه ورجاله هي طاقات عظمى تدقّ كل جدران القهر وتدكّها حتى تفتح أبواب البيت وأبواب الوطن..
عُدنا.. والعودة هي الطريق... "عُدنا" ننشد الحرية