Friday, November 20, 2009

موقفنا من الصهيونية العالمية نفي شرعيتها لا تطبيعها

أمير مخول

غداة كل مد وطني ومقاومة شعبية فلسطينية في الداخل أصبح متوقعا أن تشن الحركة الصهيونية حملة مكثفة تستهدف هدر ما تراكم من انجاز كفاحي وطني. وتستهدف شراء الذات الفلسطينية وتفريغ هويتها المقاومة (بكسر الواو) والحيلولة دون تناميها.

فمنذ انتفاضة الأقصى على كامل الوطن الفلسطيني ومرورا بهبة الغضب على جرائم الاحتلال الإسرائيلي خلال اجتياحه مدن الضفة الغربية عام 2002 وهكذا في أعقاب مناهضة جماهير شعبنا لعدوان 2006 على لبنان والإسهام في إخفاق أهدافه وبلوغا إلى مجزرة غزة وحصارها بداية العام الجاري، تجري بشكل حثيث مساع منهجية يتكامل فيها دور إسرائيل ودور المنظمات ومجمل الحركة الصهيونية العالمية لاختراق مناعة جماهير شعبنا وإضعافها.

فمقابل قمع الدولة اليهودية الصهيونية تقوم المنظمات الصهيونية العالمية بحملاتها لإغداق الأوهام لا الأموال، وتصدر بياناتها المنمقة بمفردات لبرالية حقوقية شكلا والصهيونية الاستعمارية جوهرا والتي تحذر من انفجار قادم وتدعو إلى العيش المشترك، وبالطبع على الوطن المسلوب منذ نكبة العام 1948 أو على أرضنا في النقب والجليل والتي صادرتها إسرائيل ضمن مخططات تهويد النقب والجليل. لكن هذه الحركة الصهيونية على تياراتها ومنظماتها هي التي تدعم إقامة المستعمرات الإسرائيلية على الأرض العربية المصادرة في منطقة البطوف وهي التي تؤكد أن هدفها الرئيسي هو ضمان دولة إسرائيل "يهودية ديمقراطية". وكلها مجمعة أنها صاحبة البيت في الدولة اليهودية كون هذا الكيان تابع "للشعب اليهودي العالمي" وهو "دولة اليهود".

وان كانت المنظمات الصهيونية العالمية قد عملت بشكل فردي في الماضي لكن جمعها الهدف والرؤية والقيم الاستعمارية، فان ما يميز السنوات الأخيرة أنها انتظمت وأقامت تحالفا ضخما من أكثر من سبعين مؤسسة وشكلت ما يسمى "فريق العمل متعدد الوكالات لشؤون عرب إسرائيل". ولا يخفي هذا التحالف جوهر موقفه ودوره برؤيته يهودية إسرائيل ضمن مسؤوليته واعتبار ذاته حارسا للجوهر "اليهودي الديمقراطي" لإسرائيل..

هذا الأسبوع شهد حدثا قد يصبح مفصليا إذا جرى التعامل معه كبداية مرحلة لا نهايتها. وهذا الحدث هو إفشال المؤتمر الذي نظمته هذه المنظمات في مدينة سخنين. وقد تم الإفشال ومنع الاختراق ابتداء بالحملة التي أطلقها اتحاد الجمعيات العربية (اتجاه) لمناهضته وبلوغا لمقاطعة بلدية سخنين ورئيسها ومؤسساتها وقواها الوطنية. هذا المؤتمر الذي جاء بالتعاون بين "فريق العمل " الصهيوني المذكور وجالية بتسبورغ ومنظمة شتيل. حيث كان عنوانه "العيش المشترك". ولا بأس من أن تقوم المؤسسات الوطنية بتنبيه المؤسسات الأخرى حول ما يختفي من دور للحضور الصهيوني العالمي بين جماهيرنا. فالحركة الصهيونية تبذل جهدا مضللا هائلا كي تبدو حيادية وغيورة على مصلحة العرب. وهو لا يختلف بالجوهر من سلوكها في المحافل الدولية وآخرها كان مؤتمر ديربان ضد العنصرية عندما تحالفت تحت مفردات الديمقراطية وحقوق الإنسان كي تدافع عن عنصرية إسرائيل، وتلاها الموقف المجاهر لجميعها ودون استثناء من معاداتها السافرة لتقرير غولدستون الاممي ودفاعها المستميت عن إسرائيل وعدوانيتها وجرائمها ضد شعبنا في غزة. وهي تؤيد احتلال القدس وضمها الى اسرائيل وكلها تؤيد وتدعم الخدمة المدنية للشباب العربي في الداخل.

وللحقيقة فان الحملة الوطنية لمناهضة المؤتمر لم تتطرق لمضمونه ولا جوهر أبحاثة، بل أن الأمر الجوهري كان هو الثوابت الوطنية ومناهضة الدولة اليهودية ورفض تطبيع أدواتها من منظمات صهيونية عالمية. المنظمات الصهيونية العالمية هي جزء لا يتجزأ من مركبات الدولة اليهودية والمشروع الاستعماري العنصري على وطننا. واعتبرت الحملة ان دورنا هو مناهضة الصهيونية ومنظماتها وتجلياتها لا التطبيع معها ولا شرعنتها. فمن يرفض جوهر الدولة اليهودية وسياسات تهويد النقب والجليل لا يستطيع أخلاقيا ان يتعايش مع مقومات المشروع الصهيوني وعلى أنقاض ما هدم واقتلع وصادر.

كما انطلقت الحملة الوطنية من اعتبار أن هدفنا ودورنا وبالذات دور العمل الأهلي الفلسطيني المستهدف هو منع اختراق الحركة الصهيونية لمناعة جماهير شعبنا واحتواء أوساط منها. ورفض قاطع لان تلعب مؤسساتنا دور حصان طروادة للمشروع الصهيوني سعيا وراء وهم التمويل أو الوهم بإمكانية تحقيق الحقوق من خلال أدوات اللعبة التي تفرضها إسرائيل ومجمل الحركة الصهيونية.

الحركة الصهيونية بمنظماتها ومؤسساتها وتياراتها المتنوعة تنظر إلى جماهير شعبنا الفلسطيني في الداخل من باب الأمن القومي الإسرائيلي، وتريدنا مجموعة سكانية تتحدث بمفردات الاعتداد بالنفس وبتعبير التحبب "الوقاحة الإسرائيلية"، ولكن نكون جوهريا خاضعين لقواعد لعبتها. فما نفع المفردات الوطنية إذا قبلنا طوعا بمبدأ العيش المشترك على أرضنا المصادرة وارض شعبنا المنهوبة!! وما نفع الاعتداد بالذات إذا قبلنا بان تكون المنظمات الصهيونية العالمية أيا كانت شريكة لنا في تحديد مصيرنا وملامح مستقبلنا!!.

الحركة الصهيونية العالمية ومنظماتها ترى بنفسها صاحبة الوطن الفلسطيني ومالكة لدولة إسرائيل وليس تابعة لها. وترى بالجماهير العربية تابعة لإسرائيل وتابعة لها ولمشروعها الكبير. وجوهريا تنظر إلى الجماهير العربية الفلسطينية في الداخل من منطلق المشكلة ولذلك فان إستراتيجيتها هي الاحتواء سعيا لما يسمى مكافحة التطرف وتعزيز الاعتدال وخلق مصلحة مادية وبنية ولاء عربي فلسطيني للدولة اليهودية.

هناك مسؤولية أخلاقية وهي أن نتعامل مع ذاتنا كشعب ولا ننحصر بحدود مواطنتنا، والمقصود أن تكون علاقتنا بالتدخل الصهيوني استمرارا للمشروع الاستعماري العنصري. علاقتنا بالحركة الصهيونية هي علاقة صراع على الوطن وعلى حق شعبنا فيه وعلى حق لاجئينا بالعودة اليه والى بلداتهم واستعادة أملاكهم التي هدمها ونهبها وصادرها المشروع الصهيوني. وأما دور المنظمات الصهيونية وفريق العمل متعدد الوكالات فهو في نهاية المطاف مسعى لتجميل الشكل والحفاظ على الجوهر الصهيوني.

لقد نجحنا في محاصرة توسع نفذهم ومنع اختراق مناعتنا الوطنية كجماهير والمطلوب الان اعتبار ما جرى هو بداية مطاف والمهمة القادمة هي في كنس مساعي الاختراق الصهيوني لمناعة جماهيرنا. وهي مهمة وطنية كبرى. فكما نطالب العالم بمقاطعة إسرائيل ونطالب العالم العربي بمناهضة التطبيع فنحن في الداخل الفلسطيني لسنا معفيين من لعب دورنا في مناهضة الصهيونية وأدواتها، ولا بأس في أن نعود إلى الثقافة الكفاحية حيث للموقف يوجد ثمن وعندما ندفعه تزداد مناعتنا الوطنية ونحصّن كرامتنا القومية.


 

18/11/2009

Wednesday, November 11, 2009

نتسيرت عليت مستعمرة تظن انها شرعية


 


 

امير مخول

اعلن شمعون جافسو رئبس بلدية نتسيرت عيليت يوم 10/11/2009 عن خطنه لاعادة تهويد المدينة في أعقاب الازدياد الملحوظ للوجود العربي فيها والذي فاق ربع عدد السكان ومقابل ذلك وقف هجرة اليهود منها وبالذات عزوف الأجيال الشابة اليهودية عنها.

وفي محور خطته اتجاهان متكاملان – الواحد هو ضمان هجرة "نوعية" من اليهود والثاني توجيه رسالة ملموسة للعرب في المدينة والذين هاجروا إليها أفرادا سعيا وراء حل فردي لازمة السكن او العمل في البلدات العربية في المنطقة، ودعاهم للتفتيش عن "بيت اخر" حسب تعبير موقع NRG.

أما التنفيذ العملي للمخطط فيتضمن استقدام مستوطني "غوش قطيف" في مستعمرا ت قطاع غزة سابقا وكذلك بناء مشروع "هار يونا 3" والذي هو عبارة عن مدينة يهود متدينين (الحرديم) وبناء مركز روحاني يهودي منطقي، وبالإضافة استقدام مجموعات ممن يطلق عليهم "النواة الصهيونية الصلبة" اي مجندين متدينين قوميين من الكتل الاستيطانية ومن مدارسها الدينية العسكرية والتي عرف عنها بتخريج إرهابيين يهود. وهذه المجموعات التي يجري العمل على استقدامها هي أشبه بالمجموعات المسلحة التي احضروها للسكن في عكا ضمن خطة "تدوير (تهويد) النقب والجليل" التي قادها شارون كجزء من خطة فك الارتباط مع غزة عام 2005 كما تتضمن خطة جافسوا إغراق المدينة باللافتات والرموز اليهودية والصهيونية. وللحقيقة فان جافسو يهدد الوجود العربي في نتسيرت عيليت بنموذج عكا في خريف العام 2008 عندما هاجمت الجموع اليهودية العنصرية الوجود العربي في المدينة واحتمت عنصرية الشارع بعنصرية النظام الإسرائيلي وتقاسمت الدور معه..

وللحقيقة فإن شمعون جافسو لا يأتي بأي جديد باستثناء نفض الاوهام، فهو يعيدنا الى جذور المشروع الصهيوني، والى الخمسينيات من القرن الماضي حيث أقيمت نتسيرت عليت بناء على الحلم الاستعماري العنصري الذي راود بن غوريون ولم يكن "أفضل" لتطبيق مثل هذا المشروع وتنفيذه من مساعده شمعون بيرس. وتحدث حلم بن غوريون عن "اقامة مدينة يهودية في قلب الجليل تقطع التواصل الجغرافي والدمغرافي العربي في المنطقة". وهذا جزء من المشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني الواسع القائم على التطهير العرقي.

وللحقيقة أيضا فأن الهدف من نتسيرت عيليت وإقامتها وتوسعها لاحقا هو هدف استيطاني استعماري لا يختلف بأي نص او جوهر عن المستعمرات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس بعد احتلالها في العام 1967 ولغاية اليوم. ولو قارنا أهداف نتسيرت عليت ومعاليه ادوميم او غوش عتسيون او هرئيل وكرمئيل لتيقنّا بأن الهدف هو واحد وجهة اتخاذ القرار بتأسيسها واحدة وجهة التخطيط واحدة والقانون الذي اعتمدت عليه واحد أيضا.

ولو قارنا كيفية التطبيق التي قادها شمعون بيرس في نتسيرت عيليت عام 1956 او في إقامة المستوطنات في الضفة الغربية، فإن كل متر مربع من اراضيها هو أرض عربية فلسطينية مصادرة سواء نهبتها إسرائيل عام النكبة والتطهير العرقي 1948 ام صادرتها وفق قانونها الاقتلاعي الاستعماري منذ العام 1948 ولغاية اليوم بهدف تغيير طابعها الدمغرافي وتهويد الوطن الفلسطيني.

خطة جافسو ومجمل وجود نتسيرت عيليت تعكس جوهر الوجود الإسرائيلي كواقع استعماري. وما يميز هذا المشروع المأزوم ان اشتداد أزمته يؤدي للكشف عن جوهره, فقد سعت إسرائيل باستمرار إلى إخفاء الجوهر سعيا وراء كسب الشرعية. لكن قوة جماهير شعبنا الفلسطيني وكفاحيتها وتعاظم حضورها مزودة بهويتها الوطنية كصاحبة الوطن والحق فيه وعليه وأهل البلاد كلها تجعل النظام الإسرائيلي كله في موقع ردة الفعل. وهذا تحوّل استراتيجي رأيناه في القوانين العنصرية الأخيرة وكذلك في حملة الانتقام خلال وبعد هبة الغضب والاحتجاج في الداخل على جرائم إسرائيل في غزة وقبلها على عدوان إسرائيل على لبنان 2006 وفي مجمل سياسة الملاحقات السياسية الترهيبية.

ويصطحب هذا التحوّل جانب آخر وهو سقوط ما تبقى من أوهام بين أوساط داخل جماهير شعبنا تجاه النظام الإسرائيلي. والتيقّن أكثر فأكثر من ان المؤسسة المدنية والقضائية والأكاديمية والتخطيطية والأمنية كلها شريكة في الجريمة التاريخية التي لم تتوقف منذ النكبة والسعي إلى نهب ما تبقى منه وتهويده.

واذ يعكس مخطط رئيس بلدية نتسيرت عليت دموية السياسة والنظام في إسرائيل، وحالة الصدام المفروضة على جماهير شعبنا في الداخل شئنا أم أبينا، فان معركة الشرعية الوجودية مفروضة علينا ولا نستطيع ان نتجاهلها. وفي معركة الشرعية نحن الاقوى وليس النظام الاستعماري العنصري وتجلياته من نتسيرت عليت الى مستوطنة كريات أربع ومعاليه ادوميم.

ان طبيعة التحدي تتطلب الحفاظ على الجاهزية الكفاحية الوحدوية العالية وبناء المرجعيات المحلية ومراكمة الانجازات، وذات الوقت ان تتعامل جماهيرنا في الداخل مع نفسها كجزء من القضية الفلسطينية ولا تحصر دورها في حدود المواطنة، وان تتعامل مع ذاتها كصاحبة حق ومسؤولية في بناء المشروع الفلسطيني التحرري الواسع ومرجعياته.

وفي تعاملنا مع خطة بلدية نتسيرت عيليت والتي لا تختلف عن أية سلطة بلدية أو مركزية أخرى, فأن حركة مناهضة التطبيع العربية الاقليمية وحركة المقاطعة الدولية لإسرائيل هي أدوات يجدر ويتوجّب أن يتعاظم دورنا مقابلها في كسر الحصار البنيوي على شعبنا والذي مصدره جوهر إسرائيل ذاته.


 

10/11/2009