على مفترق طرق - بين غزة وسخنين
امير مخول
الملامح الحالية لحالة استنهاض الهمم والتصعيد الكفاحي لجماهير شعبنا في الداخل مؤشرات هامة، وسيكون بمسؤوليتنا تحويلها الى تحول نوعي معزّز كفاحيا وسنتحمل ايضا المسؤولية فيما اذا تم تفويت الفرصة وتحويل المد الشعبي الكفاحي الى حدث عابر.
حالة المد الكفاحي هذه انطلقت في النضال الشعبي المنظم لكسر الحصار على شعبنا في غزة، وبلغت ذروة جديدة في مظاهرة سخنين نهاية الاسبوع الفائت. وهذا ليس امرا مفروغا منه. وان كان نتاج حالة عينية، فمن شأنه ان يقود الى تحول نوعي تصعيدي في مسيرة الكفاح الشعبي اذا ما تم استثمارها سياسيا، وذات الوقت هناك مخاطر من ان تتحول الى حدث لمرة واحدة فيما اذا لم نستغلها جماهيريا لاحداث انطلاقة مستدامة وتعزيز الاطار الكفاحي الجماعي الموحد لحمل هذا المشروع.
وفي نظرة سريعة للدالة النضالية لجماهير شعبنا في الداخل في العقدين الاخيرين فمن الملفت ان المحطات النضالية النوعية كانت نتاج التفاعل مع قضايا شعبنا ككل وليس نضالنا المحلي المجزّأ او المحصور في حدود المواطنة فحسب. فالتفاعل ما بين التحرك الشعبي لكسر الحصار القاتل المفروض على جماهير شعبنا في غزة وهبة الغضب الشعبي على قرار المستشار القانوني لحكومة اسرائيل والمتوقع باغلاق ملف التحقيق بحق قتلة شهداء الداخل في انتفاضة القدس والاقصى في العام 2000 وتبييض جرائم الدولة، هو تفاعل نوعي متطور في مركزه الاقرار بأن اسرائيل باجهزة القتل والحصار والدمار في غزة واجهزة القتل والملاحقات والاقتلاع في الداخل هي ذات الكيان وذات الاجهزة، والجريمة لا تقع في حدود الجهاز الامني فحسب بل كل اجهزة الدولة الامنية والمدنية التي تتقاسم الجريمة.
ما ميّز التحرك الشعبي الاخير انه كان متواصلا وتصعيديا كما انه شكّل دمجا او مزيجا من العفوي والمنظم. وكانت ملامح المعركة واضحة سواء في غزة ام في سخنين، وهذا دليل ان الطاقات الكفاحية بين الناس لا يمكن حصرها بل بحاجة الى تطوير الاطر القيادية للانطلاق بها. فعندما دعت لجنة المتابعة الى الاضراب العام يوم الجمعة الاخير فان التجاوب الجماهيري الهائل في المظاهرة المركزية في سخنين فيه دلالات ايضا. وعندما تم اعلان الاضراب العام ردا على قرار المستشار القانوني للحكومة بشأن ملف تشرين 2000، فان لسان حال الناس وهمها كانا القرار المذكور وشهدائنا وشعبنا في غزة معا. وان كان من المتوخى اعلان الاضراب كخطوة ضمن مناهضة جرائم اسرائيل ضد كل شعبنا وعدم حصر مسببات اعلانه بالداخل، الا ان روح المظاهرات والمد الشعبي عوّضا عن هذا النقص ودمجا بين البعدين.
ومن الجدير هنا التطرق الى مظاهرة الناصرة قبل بضع اسابيع لكسر الحصار على غزة والتي نظمها تحالف غالبية الاحزاب والحركات السياسية المركبة للجنة المتابعة لكن المظاهرة كانت خارج اطار لجنة المتابعة. وهذا ايضا ملمح هام والدرس الاساسي انه اذا لم تستطع لجنة المتابعة اتخاذ موقف جماعي فالبديل ليس بالضرورة الغاء العمل بل ان هنالك اصطفافات جديدة ستأخذ بالتبلور والعمل جماعيا. وهذا التحدي هو جوهري بالنسبة للجنة المتابعة، وكما يبدو فان قرارات المتابعة بشأن قرار مزوز ورسالتها السياسية ونزع الثقة عن الدولة واجهزتها وتبني مطلب تدويل قضايا جماهيرنا في الداخل، عبرت عن تعلم الدروس مما حدث، وهذا ايجابي، والهدف الان تثبيته.
ان تطوير كفاحية لجنة المتابعة يزداد جوهرية في مرحلة الصراع الفلسطيني الفلسطيني في الضفة والقطاع ضمن السلطة الفلسطينية. والمقصود ان جماهيرنا في الداخل تستطيع ان تلعب دورا موحدا على مستوى شعبنا كله من ناحية، ومن الناحية الاخرى اذا لم تستوعب مؤسساتنا القيادية في الداخل اهمية تطوير دورها الكفاحي فانها ستصبح عاملا في التجزيء وستخضع جماهيرنا لقوى الشد التجزيئية سواء اكانت دولية او اسرائيلية او من اوساط في قيادة السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير بتركيبتها الحالية.
ان ملمحا اضافيا هو التحرك الشعبي العفوي في بعضه وظهور طاقات قيادية شبابية وطنية منها المؤطرة او غير المؤطرة والتي انطلقت بسرعة سبقت احيانا القوى السياسية المنظمة في عدة مواقع من البلاد واستقطبت حشودا جماهيرية شبابية في غالبيتها في المعركة لكسر الحصار على غزة وقد انعكس حضورها ايضا في مظاهرة سخنين الوحدوية. وهذا بنظرة مستقبلية قد يكون من اهم الملامح محليا، والذي يؤكد وجود جيل جديد واعد وناضج يقوم بدوره رغم ان الاطر الجماهيرية الجماعية لم تعره اهتماما حقيقيا لغاية الان، لكنه لا ينتظر ذلك ايضا بل يلعب دوره معتمدا على مبادراته وارادته وانتمائه ومستلهما من رصيد شعبنا.
ويبقى الملمح الاهم هو درسنا في غزة والذي لم يكن لقرار المستشار القانوني للحكومة وقرار المتابعة بالاضراب ردا عليه ان يحركا الناس بدونه. فالدرس المألوف الذي تعلمناه من غزة ان الناس – جماهير الشعب الفلسطيني – قادرة بارادتها ان تكسر الحصار الاكثر اجرامية والذي لا مثيل له في العالم. فعندما انطلقت النساء الغزيات لمواجهة الحصار بالتصميم على كسره وتلاها في اليوم التالي جماهير الشعب بمئات آلافها لتكسر الجدار والحصار، هو الذي فرض حالة مقاومة معنوية جديدة "لا تعرف المستحيلا"، وتجاوزت الناس بقوتها الطبيعية الانسانية ايضا كل المشاريع الوهمية الفلسطينية القائمة على جدوى الحوار والتفاوض مع اسرائيل كهدف ومن منطلق الاقناع وملاءمة السلوك الفلسطيني الى الاملاءات الاسرائيلية الامريكية الاوروبية. وهذا درس لكل شعبنا ولكل شعوب العالم. فالعالم لا يتضامن مع الضحية بمجرد كونها ضحية فحسب بل ان الضحية تحدث الحراك والتفاعل العالميين فقط اذا ناضلت وهذه الحالة المعنوية هي الاساس وراء الجاهزية الكفاحية العالية ضمن شعبنا اينما كان.
وللحقيقة ورغم الواقع العربي الاقليمي المأساوي فان شعبنا تلمّس مرة اخرى معنى البعد العربي الاقليمي كحاضنة للشعب الفلسطيني ولحركته التحررية. سواء بالتحركات الشعبية الرائعة في البلدان العربية ام في انفتاح مصر امام شعبنا في غزة ودلالاته الأبعد من الاطار الانساني، بل انه دليل على القوة التي سيتمتع بها شعبنا لو كان الواقع العربي مغايرا. وهو دليل ان توازن القوى القاتل الحالي ليس مفروغا منه ولا يجوز التسليم لا بوجوده ولا لشروطه.
دعوة للتفكير: مؤتمر وطني للجماهير العربية وتقاسم الهم الفلسطيني
تعلم الدروس والاستفادة منها والانطلاق لمواجهة التحديات المستقبلية هي مسؤولية كل الاطر السياسية والجماهيرية والاهلية داخل شعبنا. وفي حالتنا في الداخل فان الاطار للتمعن جماعيا فيما جرى ويجري لا يجوز حصره في اجتماع للجنة المتابعة او للاطر السياسية او الاهلية، بل تبدو الحاجة ملحّة لتنظيم مؤتمر جدي للجماهير العربية في الداخل تتفاعل فيه كل القوى، ليحث ايضا على عقد مؤتمرات موازية في كافة اماكن تواجد شعبنا في الوطن والشتات وضمان التفاعل بينها جميعا. فعنوان المرحلة هو تقاسم الهم الفلسطيني الجماعي واعادة بناء الاطر المرجعية لجماهير شعبنا سوءا في الداخل ام لشعبنا كله وفي مقدمتها منظمة التحرير الفلسطينية، ضمن احياء المشروع الفلسطيني الكفاحي المستند الى الثوابت الفلسطينية التاريخية والتي لن يستطيع احد ان يحملها ويحميها اكثر من الناس – من الشعب الفلسطيني.
ان استدامة الجاهزية الكفاحية وروح الصمود والمقاومة لدى اي جزء من الشعب الفسلطيني هي دعم لكل اجزاء الشعب الفلسطيني.
6/2/2008
http://www.arabs48.com/display.x?cid=7&sid=25&id=51955
No comments:
Post a Comment