ونواصل التواصل
أمير مخول
مسألة اعتقال الشاب راوي سلطاني هي فردية بمفهومها القضائي وجماعية ببعدها السياسي. فرديّة كملف في المحكمة وبكيفية إدارته داخل أروقتها، وجماعية لأنها قضية شعب وشبابه وقضية مسؤولية مجتمعية وموقف من المحكمة والمحاكمة سواء تم إطلاق سراح سلطاني قريبا أم جرى تمديد اعتقاله حتى نهاية الإجراءات.
في العام الجاري وحده جرى وبشكل منهجي استدعاء مئات الشباب العرب إلى مقرّات الشاباك ليقوم موظفو أجهزة الأمن بالتحقيق معهم ومحاولة ترهيبهم وترغيبهم إن أمكن. وفي كل الأحوال تكون على الأقل محاولة لاحتلال وعيهم ومعنوياتهم.
وهذا استمرار منطقي لما حددته إسرائيل في أوائل العام 2007 على لسان رئيس مخابراتها يوفال ديسكين في تقرير رفعه إلى رئيس الحكومة اولمرت بان الجماهير الفلسطينية في الداخل هي خطر استراتيجي. والجديد في ذلك كان بالأساس بالمصارحة والمجاهرة وقرار الشاباك بالتظاهر بقوة في حياة الجماهير العربية والسعي لاستعادة هيبته ورهبته التي تآكلت مع تعاظم الوعي الوطني وبالذات بين الأجيال الصاعدة، حيث فقدت المؤسسة الأمنية قوة ردعها لتجد نفسها أمام حاجة لخلق قواعد لعبة ترهيب جديدة.
لقد استغلت إسرائيل ما يسمى عالميا "الحرب على الإرهاب" وهي اكبر عملية إرهاب دولي رسمي منظم في العقود الأخيرة، وتداخل دور المؤسسة الأمنية بالمدنية بالقضائية وبالإعلامية، لتعزز قمعها وعدوانيتها خارجيا وداخليا، فهذا ما شاهدناه في لبنان 2006 وفي غزة 2009 وفي الداخل وبشكل مكثّف جدا منذ مجزرة العام 2000 ولغاية اليوم من خلال سياسة نزع الشرعية والحق بالوطن والحق عليه سواء أكان ذلك بسيل القوانين الاستعمارية في جوهرها أم في الملاحقات الأمنية أم في الحملات التهجيرية العنصرية.
في الواقع المعاش تقوم إسرائيل بتظاهرة عداء قمعية غير عادية تجاه جماهير شعبنا، وتتعامل مع عملنا السياسي والمدني بأدوات أمنية، الدولة ومخابراتها هي التي خلطت ما بين السياسي والأمني وألغت الحدود. ليصبح قانون المواطنة مسألة أمنية والحق بلم الشمل أمنا، والحق بالصلاة في الأقصى أمنا والحق بالتواصل أمنا وبالتكاثر الطبيعي أمنا أيضا.
إن علاقتنا بشعوبنا العربية هي علاقة حق طبيعي بالنسبة لنا وواجبنا ومسؤوليتنا أن نعززها ونوسعها آخذين بالاعتبار أن إسرائيل تتعامل معها كمسألة أمنية. لكن واجبنا هنا أيضا أن لا نرهن أي حق طبيعي لنا وأية علاقة ببعدنا الفلسطيني والعربي بالمزاج الإسرائيلي ولا لقواعد لعبة قمعية تتناقض مع حقنا – حق الإنسان الطبيعي والذي يصونه القانون الدولي.
يجب ألاّ يغيب عن بالنا أنّ أنظمة عربية مخترقة خارجيا لا تحمي ذاتها من شيء وتمنع اختراقها الا من شعوبها هي فقط، ومثل هذه الأنظمة تشكل معقلا للتجسس الإسرائيلي، فالمخابرات الإسرائيلية تستهدف تواصلنا الفلسطيني والعربي سواء محليا حيث نحن في وطننا ام في بلدان عربية لها امتدادها فيها. وحدث في السنوات الأخيرة أن قامت أجهزة أمنية في دول عربية بملاحقة متزامنة وموازية تجاه أطراف شعبية ومدنية عربية في حين لاحق الشاباك مؤسسات وأفراد في الداخل حول نفس الموضوع واستهدف الطرفان في حينه علاقات التواصل ذاتها.
طبيعة المرحلة هي مظاهرة العداء وعدوان الملاحقة السياسية والترهيب السياسي ومساعي الشاباك لاحتلال الأذهان لدى الأجيال الصاعدة لأنه يدرك كما ندرك نحن أن احتلال الأذهان يعني أن نخضع كمجتمع وشعب تلقائيا وعفويا لقواعد لعبة الشاباك وننتقل من مواجهة الترهيب السياسي الأمني إلى تحويله ترهيبا ذاتيا طوعيا بلائم نفسية المهزومين لا نفسية شعب صاحب حق ويناضل من اجل استعادة العدالة.
هناك أهمية لرؤية حركة التحرر الوطني الفلسطينية وحركات الشعوب العربية والتي اعتبرتنا نحن فلسطينيي الداخل بعدا استراتيجيا لكن بالمفهوم السياسي وبمفهوم الصمود لا بمفهوم الكفاح المسلح. وما يميز حركات التحرر وحركات الشعوب الحيّة أنها تملك نظرة إستراتيجية بعيدة المدى والهدف هو مشروعها التحرري وليس الوسائل، كما أن إستراتيجيتها متعددة المسارات مهما كانت أولوية أي مسار بالنسبة لها. لذلك كلها جميعا تشهد بدور الجماهير العربية في الداخل هكذا في يوم الأرض وانتفاضة الأقصى وعدوان إسرائيل على لبنان 2006 وعدوان إسرائيل على غزة مطلع هذا العام والسجلّ طويل.
الحذر أولا من الملاحقات الإسرائيلية والحذر هو الوعي بأن صمودنا وتطورنا وصيانة الوطن والحق ومدّ صمود شعبنا هي من أهم ما في دورنا. ففي إدارة الصراع هناك أهمية كبرى لحماية الذات وللنفس الطويل والتدعيم الذاتي والقدرة على مواجهة أي وضع واية وضعية. وهناك أهمية كبرى في تحمل المسؤولية الجماعية عن أية قضية ذات صلة بالصراع. وفي هذا واجب اخلاقي ومعنوي. وعليه يجب ان نتعامل مع القضية طي البحث كقضية تخص مجتمع بأسره لا عائلة واحدة ولا حزب واحد.
نحن الفلسطينيين في الداخل أكثر من يدرك ويتلمس حدود القانون الإسرائيلي وبالتأكيد أكثر من الإسرائيليين أنفسهم. فبالنسبة لهم القانون هو نظام ضابط ومساحة حرة توفرها الدولة اليهودية لليهود فقط، وبالنسبة لنا نظام قامع يضيّق الخناق بشكل منهجي ولا تبقى لنا مساحة الا بقدر ما نواجه ونناضل ضد القمع وقوانينه.
الجانب المعنوي ودورنا فيه وواجبنا فيه حماية المجتمع وحماية الوجود وتوفير الحماية للأجيال الصاعدة والقصد هو تحمل المسؤولية تجاه كل سلوك ناتج عن وعي مجتمعي أو وطني. فهناك حاجة إلى أقصى درجات الحذر واليقظة وهناك حاجة الى عدم الارتداع عن القيام بدورنا وبتواصلنا وهذا يقع في مسؤولية العمل السياسي والأهلي والمؤسساتي.
لا نقبل بقواعد لعبة الواقع ألقسري ألتعجيزي حيث يحاول الشاباك احتلال أذهان الشباب وجعلهم في وضع يتخوفون من اية علاقة مع المحيط العربي الواسع. لا نقبل بان نكون ملزمين جماعيا بالتعرف مسبقا على كل من نصادفه في هذا الموقع أو ذاك من العالم العربي والعالم اجمع انه فرض تعجيزي هدفه الإيقاع بالفخ...أو جعلهم يخافون من التواصل. اننا نقوم بالتواصل مكشوفين ومدركين ان أجهزة المخابرات الإسرائيلية (والعربية أحيانا) تراقب تحركاتنا فهل نتوقف عن الحركة؟ إنهم يراقبون هواتفنا النقالة وبريدنا الالكتروني ويخترقون الفيسبوك ويتنصتون.. فهل نخضع لترهيبهم وهل نتصرف كملاحقين (بفتح العين) ام يوجهنا حقنا وشرعية نضالنا؟ وأما هم فليراقبوا ما شاءوا.
وزيادة عليه نحن ننطلق من شرعية نضالنا وشرعية تواصلنا كحق ومسؤولية وهذا ما يوجهنا، وبالأكثر شرعية قضيتنا قضية شعبنا. كما ندرك أن زيادة وزن الداخل هي نتاج مستوى تنظيمه ووعيه وصموده ومقاومته الشعبية ودفاعه عن الوطن ومدّ مجمل مقومات النضال الفلسطيني لتصبح جماهيرنا في الداخل قوة سياسية ومعنوية ملموسة في معادلة الصراع في المنطقة.
إننا مطالبون أن نحمي وجودنا ونحمي حقنا في الوطن وعليه ونحمي حقنا بالتواصل مع المدى العربي. تواصل على أساس مناهضة التطبيع. لأنه لا سد أمام اختراق المخابرات إلا وعي الشعوب العربية وحريتها. والتواصل هو عملية علنية ذات رسالة واضحة.
3/9/2009
No comments:
Post a Comment