الأرض تعترف بالعراقيب وتعرف أهلها
بقلم: أمير مخول- سجن الجلبوع مؤقتا مهما طال
العراقيب هي آخر قرية زرتها قبل اعتقالي. والعراقيب ليست مجرد قرية بل هي وطن وشعب. كنت هناك في خيمة الشيخ صباح، خيمة الاعتصام وكان حشد كبير يوم الخامس من أيار في أعقاب عملية هدم وعملية بناء. اجتمعنا حتى ساعات الليل المتأخرة باعتبارات عتمة الصحراء.
استدعانا الشيخ رائد صلاح واستدعانا أساسا الواجب والمسؤولية الوطنية والتقينا في العراقيب في ساعات المساء بعد أن قمنا بجولة ميدانية في قرية حورة حيث التقينا فيها المناضل نوري العقبي ومن ثمَ زرنا في اللقية المناضل عليان الصانع، وبعدها انتقلنا للعراقيب حيث تجمع أهلها المناضلون وكنا وفدا عن اللجنة الشعبية للدفاع عن الحريات ضمن لجنة المتابعة العليا وقد ضمَ الوفد بالإضافة لي كلا من عبد الحكيم مفيد ورجا اغبارية وقدري أبو واصل والمحامي عبد الرؤوف مواسي واعتذر في حال نسيت أحدا ممن شاركوا.
وكانت زيارتي الأخيرة حاليا لأنني وبعد أن وصلت بيتي في حيفا بعد منتصف الليل مكثت ساعة الى أن داهمت قوات الشرطة والمخابرات بيتي وجرى اعتقالي الطويل ولم يبق لي إلا أن أتابع التطورات من وسائل الإعلام المتاحة في السجن.
توقعنا خلال لقاء العراقيب أن أعين قوات الاقتلاع تتربص بنا وبالعراقيب من بعيد مستعينة بعتمة الصحراء الجميلة ومستغلة إياها كي يغطوا وجوههم وأيديهم المجرمة. وكما أن "أهل مكَة أدرى بشعابها" فإن أهل العراقيب أدرى بشعابها وبشعاب ليلها مهما كان دامسا، بل إن ظلام الصحراء الذي كان صديقهم الطبيعي قد صادره المقتلعون أيضا، إنهم غزاة الأرض وغزاة الليل، ليحلَ ظلم وظلام الاقتلاع والترحيل والتهجير، إنه ظلام المشروع الصهيوني على امتداد تاريخه. الظلام الذي فرضه على العراقيب والنقب والجليل والساحل والمثلث وعلى القدس وغزة والضفة وفوق البحار، كي يمنع نور الحرية من الوصول الى غزة المحاصرة ومدَوه فوق الشتات، سعيا بائسا الى حجب الوطن عن النور والأمل، وحجبهم عن العودة. لكن أهل الوطن يعرفون مساراته ويعرفون من يتربص بهم وبحقهم فيه وعليه.
الأعين الإسرائيلية المتربصة وبلدوزارات الهدم والتطهير العرقي لا تردعنا، فهي قائمة وتعمل لحظة بلحظة منذ ستة عقود، أما نحن- جماهير شعبنا في الداخل فقد ازددنا قوة يوما يوما منذ النكبة وخلال النكبة المتواصلة، وازددنا صلابة ومقاومة للظلم ولنظام التطهير العرقي وحررنا إرادتنا.
في لقاء العراقيب إياه، وضعنا خطة عمل وخطة تصدي وطوارئ في معركة التحدي والبقاء، ووزَعنا العمل وتقاسم الهموم، وخططنا لمواجهة الهدم الداهم، أولا جسديا وبالحشد الإنساني وبضمان التضامن المحلي والعالمي الفعَال، والإصرار على إعادة بناء كل بيت يهدم وكل خيمة تقتلع مهما كلف الأمر ومباشرة بعد هدمه في حال نجحوا بتنفيذ جريمتهم. وجولتنا هذه لم تكن بداية النضال الوجودي على العراقيب وفيها، وليست نهاية النضال، لكنها مراكمة إضافية له وبشكل منظم. وذلك إدراكا أنها معركة فاصلة، ليست موضعية، بل معركة إستراتيجية. وهي حدث مؤسس آخر في الدفاع عن الوطن وما تبقى من أرض، وحماية للوجود العربي في النقب واستعادة ما أمكن من الحق المسلوب. إنها المعركة على الوطن وعلى الإرادة وفيها تتحدد معالم التصعيد في النضال الشعبي المتراكم منذ عقود طويلة.
لا مكان للتعامل مع هذه المعركة كحدث عابر أو موضعي لان في ذلك تسليم بالعراقيب وعن جزء جوهري من الوطن، في حين ان الواجب الوطني وروح التحدي والبقاء، يتطلبان من جماهيرنا التعامل مع هذه المعركة وأمام ناظرنا الحدث المؤسس الأهم في الدفاع عن الأرض والبيت، الا وهو يوم الأرض 1976. واليوم نواجه مشروع تطهير عرقي صادر عن ذات النظام وعن ذات الجوهر لكن موقعه في العراقيب.
الربط بين المقاومة الشعبية في العراقيب والمقاومة الشعبية في الشيخ جراح وسلوان ونعلين وبلعين وفي المثلث ومعركة الروحة، والمعركة ضد هدم البيوت والتهويد ومعارك أم السحالي ومعارك لجنة الأربعين للاعتراف بالقرى غير المعترف بها والمجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها في النقب ومعركة نوري العقبي دفاعا عن أرضه وحقه فيها وعليها، والحركة الشعبية الفلسطينية والعالمية لكسر الحصار على غزة، والمعركة لحماية عروبة القدس والمقدسات وكمَ هائل من معالم النضال والمقاومة الشعبية التي لا تنضب طاقتها بل تزداد يوما بعد يوم. لتلتقي فيها كل القوى الشعبية وتوَلد حراكا شعبيا وتضامنا محليا وعالميا مع الضحية المناضلة مشكَلة قوة ردع هائلة للغزاة في العراقيب وغيرها وتشكل حماية لأهل البلاد وأصحاب الوطن المتواجدين فيه ولاجئيه.
هناك أهمية لإدراك ما تدركه إسرائيل أيضا، وهو أن الجماهير العربية في الداخل هي قوة إستراتيجية، الأكثر تنظيما داخل الشعب الفلسطيني في هذه الحقبة، وهذه الجماهير قادرة على الدفاع عن حقها ووجودها وحقوق شعبنا كلها، وهي أيضا قادرة على استرداد حقوق تمت مصادرتها كما الوطن والأرض وقادرة على قيادة معركة الشرعية حيث يدنا فيها هي الأطول وليس يد إسرائيل، فالنظام الذي يقوم باقتلاع أهالي العراقيب كما مجمل مسار الاقتلاع والتهجير عليه أن ينشغل يوميا بشرعيته هو ، وعلينا أن نشغله يوميا بشرعيته. انه نظام لا يتورع عن أيه جريمة إلا بمقدار ما نواجهه. وبمواجهتنا نؤكد انه في نهاية المطاف ليست العراقيب ولا أهلها هي التي ينقصها الاعتراف من قامعيها ومقتلعيها، فالأرض تعرفها والتاريخ يعترف بها، والوطن يعرف أهله- ومن هنا الشرعية.
* * *
تحية للجنة المتابعة العليا للجماهير العربية والتي حددت الربط السياسي الصحيح بين انتفاضة القدس والأقصى عام 2000 وبين المعركة على العراقيب والدفاع عن الوطن وإعلانها فعالية مركزية في النقب وعلى أراضي العراقيب عشية ذكرى يوم الارض، هي رسالة لأنفسنا، لجماهير شعبنا وللعالم بأن لا تجزئة لقضيتنا- لقضية شعبنا.
No comments:
Post a Comment