Sunday, August 7, 2011

قصة البطيخة والأربعين أسير


قصة البطيخة والأربعين أسير
أمير مخول
في خضمّ الموجات الارتدادية الغرائزية على تصريحات رئيس حكومتهم نتانياهو  تعالت المطالب بالانتقام. نتانياهو تحدث في مؤتمر شمعون بيرس سوم 23.6.2011 وكان ذلك عشية اليوم السنوي الخامس لوقوع جندي الاحتلال الإسرائيلي في أسر حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وتصعيد الحملة الشعبية الإسرائيلية المطالبة بتنفيذ صفقة تبادل الأسرى بهدف عودة الجندي الأسير. نتانياهو تحدّث عن نهاية "عصر الامتيازات" أسرى الحرية السبعة آلاف من الفلسطينيين والعرب في السجن الإسرائيلي، وعن نهاية "الولائم الدسمة" وعن وضع حدّ للسماح لمئات الأسرى الفلسطينيين الذين يدرسون في الجامعة المفتوحة الإسرائيلية، على حسابهم طبعاً. كما اصدر أوامره الى إدارة السجون لإساءة أوضاع الأسرى في سجون الاحتلال والعنصرية.
أقطاب الإعلام الإسرائيلي وضعوا ضوابط مهنة الصحافة جانباً مؤكدين أنهم إعلام البلاط الذين يتلذذون على إساءة أوضاع الأسرى أكثر مما هي سيئة أصلا. الصحافية أيلاه حسون إحدى أبرز أقطاب الإعلام ومقدمة وبطلة مشهد برنامج "يومان"  (الأسبوعي في يوم الجمعة 24.6) أكدت أن "وليمة" الدجاجة للأسرى الثمانية في غرفة من غرف السجن التي "ينعم" اأسير فيها بأقل من مترين مربعين، اعتبرتها حسون " أمراً مثيرا" وكذلك "منفرا" وأطلق عليها أيضا إسم وليمة "الفساد والبذخ". آسف، لم تكن في "الوليمة" التي تناقلها الإعلام الإسرائيلي، فقط دجاجة، على حساب نفقات الأسرى الخاصة ليعوضوا عن النقص في المواد الغذائية الأساسية، فقد كان رافق الدجاجة حبّة فلفل حار يتيمة أمام كل أسير يتلذذ بحرقتها، إذ تبدو له حلوة مقابل مُرّ السجن الإسرائيلي.
لقد مثّلت أيلاه حسون حضارة المستعمر الاستعلائية الساقطة، إنها الحضارة الرسمية للإعلام الإسرائيلي الذي يدمج الكذب بغريزة الانتقام المتلذِّذ بمشهد القهر الفلسطيني.
في يوم الجمعة 24 حزيران وفي الساعة الثانية عشرة وست وأربعين دقيقة ظهرا، أحضرت إدارة السجن ولأول مرة في العام 2011 البطيخ للأسرى. والأنظمة تحدد  لكل أسير (180) مائة وثمانين غراما من الفاكهة يوميا كحق أساسي. لكن قبل ذلك ببضعة أيام حين لم تتوفر فاكهة، فقد أحضروا بصلة لكل أسير- تعويضا أو بديلا للفاكهة.
استبشرنا وهما، فكل أسير شارك في وجبة البطيخ (وليمة البطيخ) ليكون عدد البطيخات التي أدخلت الى كل قسم في السجن من أقسامه السبعة والتي يقبع في كل منها مائة وعشرون أسيرا حصلوا مجتمعين على ثلاث بطيخات. وتوزيعة الأسرى في الأقسام تجري على أساس مناطق سكن عائلاتهم ويُعزلون عن الأسرى في الأقسام الأخرى. فأسرى القدس والداخل والجولان معا، وأسرى الضفة معا وأسرى غزة وحدهم.. وهكذا، وفي سجون الجنوب فصلوا ما ين أسرى الفصائل المختلفة خاصة فتح وحماس ومنعوا الزيارات منذ أربع سنوات.
وهكذا حصل كل أربعين أسيرا على بطيخة واحدة حجمها متوسط.
وقعت على فريق الأسرى العاملين في توزيع المواد الغذائية على الغرف حيث الأسرى، وقعت عليهم مهمة صعبة. وهي تقطيع كل بطيخة من البطيخات الثلاث لأربعين قطعة. وعليهم إتقان تقطيع ما لا يمكن تقطيعه وكذلك بالتساوي لأربعين. وهكذا حصل كل أسير على قطعة  على شكل مثلث متساوي الساقين الأحمرين وقاعدته القشرة الخضراء. والقشرة التي تزن أكثر من أحمر البطيخ، يجري احتسابها ضمن المائة وثمانين غرام اليومية. من كل مثلث فاحت رائحة البطيخ ونكهته الرطبة، لكن مذاقها كان ضحية حجمها، فلا يكاد يدغدغ التذوّق وحاسّة الطعم حتى انتهت القطعة.
أراد ناتانياهو صرف الأنظار عن أزمته وأزمة حكومته ودولته، كما أراد حرف الضغط الشعبي والمحتمل بسبب إخفاقه ولدفعه باتجاه استكمال صفقة تبادل الأسرى مع حماس. وقد نجح ناتانياهو إذ  وجد رأيا عاما جاهزا للسقوط ولحرف الأمور وتحويل سهام الانتقام الى أسرى الحرية السبعة آلاف في السجن الإسرائيلي. حرك الرأي العام الإسرائيلي  غرائزه كي يحمي ساسته وسياستهم. قبلوا بالوهم حتى عائلة جندي الاحتلال الأسير بايعت فرية الوهم والغرائز.
تظاهروا بدور الضحية في أستديو إعلامي أسموه "زنزانة"، ودخل اليها عُلي القوم ونُخبِه كي يشعروا بأنهم يشعرون بمشاعر جندي احتلال أسير لدى المقاومة الفلسطينية. وفي زنزانة استعراضية افتراضية اختلقوا الكذبة وقبلوا بها وأعادوا إنتاجها كي يقوموا بعملية غسل ضمائر المحتلين، لقد أرادوا ان يحتلوا من الأسير الفلسطيني زنزانتهم ليكسبوا صفة المعاناة لهم، وأما القهر فيبقونه حكرا على الفلسطيني. لقد سعوا ويسعون الى ان يصادروا من سبعة آلاف أسير أسماءهم وقصصهم ومعاناتهم ومعاناة عائلاتهم وشعبهم. وأن يحولوهم الى  رقم مجرد من أي معنى يتقزم في نظرهم الإستعماري أمام أسر جندي احتلال.
ذكرتني قصة البطيخة والأربعين أسير  بقصة "علي بابا والأربعين حرامي" بخلاف جوهري بالطبع، ففي القصة الشعبية المتوارثة هناك أربعون حراميا أغلق عليهم في جرار إختبأوا بها من وجه العدالة.، وفي قصة حياتنا المعاشة هناك حرامي واحد، لم تُغلق دنياه بعد، لكنها بدأت تضيق- سرق الحرية وسرق الوطن وسرق الأسرى وسرق الشعب. وما من جريمة تورّع عنها، إلا بقدر ما واجهناه.
نحن لا نحتمي بالأوهام ولا نبني عليها، وأما "وليمة" الأسرى ورغم أنها على مائدة القهر،  فإن ما يجعل لها مذاقا هو إرادة الأسرى الذين يعدّونها وهي حقا على مائدة اللئام، لكن الأسرى ليسوا أيتام بل لهم شعب ونضال يساندهم ويحررهم.. والسؤال متى؟. أما الجواب فهو لدينا.. نحنى الأسرى ونحن الشعب..
19.6.2011


No comments: