تبادل الأسرى وكشف اللا–مستور
صفقة تبادل الأسرى هي إنجاز عظيم حققته حركة المقاومة الإسلامية (حماس). إنها مكسب كبير للشعب الفلسطيني عامة وللحركة الأسيرة خاصة.
كما أن الصفقة تُكسِب حركة حماس تقديراً كبيراً ومصداقية عالية على ما حققته من خلال هذا الملف وإدارته المعقدة للغاية، خاصةً وأن حيثياتها جرت على أرض فلسطين وفي معظمها أُديرت في فلسطين ولمدة خمس سنوات وفي ظروف معقدة وخطرة وفي ظل فجوة هائلة في توازن القوى.
ولقد أعادت الصفقة الفرح المسلوب الى الأسرى وعائلاتهم والى كل شعبنا في الوطن والشتات، هذا الفرح المدمج بالعزّة والكرامة وروح الانتصار الواعد.
وإن كان هناك ثمن باهظ جرى التعبير عنه بالمشاعر والمعاناة النفسية وخيبة أمل لدى الأسرى والأسيرات القدامى الذين لم تشملهم الصفقة ولدى عائلاتهم، هذه المشاعر الصادقة التي تعاطف معها الأسرى والشعب واحتضنها وتفهّمها وشعر بها، فإن معاناة الباقين في الأسر ليست بسبب الصفقة وإنّما رغماً عن الصفقة بانعدام أفق فلسطيني تحريري آخر ملموس وجاهز في الوقت الحاضر. فالصفقة حققت ما يمكن تحقيقه. وليس صحيحا الاعتقاد أن تأجيلها كان بإمكانه تحسين شروطها أو رفع الثمن، بل قد يكون العكس تماماً مع المخاطرة بمجمل الملف. والصفقة من هذا النوع تُنجز عندما تُنجز لا تسريع فيها ولا تأجيل ولا تحديد مسبق للموعد.
إن صفقة تبادل أسرى- أية صفقة من هذا النوع هي معادلة محدودة وليست مفتوحةـ ولا يجوز توقع صفقة باستطاعتها تحرير كل الأسرى الستة آلاف الذين بقوا في السجون الإسرائيلية. ولو أردنا وضع حركة حماس في الامتحان فإن المعيار الحقيقي لقياس مدى النجاح أو الفشل هو هل بذلت الحركة واستنفذت كل الإمكانيات قبل إقرار الصفقة، وأنا على قناعة بأن الجواب نعم وبالتأكيد. فالصفقة في نهاية المطاف كما أنجزت، هي نتاج معادلة القوة وإقرارها شرعي وصحيح والانجاز كبير.
الى جانب الانجاز فإن تاريخ الشعوب التحرري والكفاحي يؤكد أنه حتى في الانتصارات الكبيرة هناك خسائر وضحايا، وهذا لا يقلل من حجم الانتصار.
هناك أهمية لما أكّده إسماعيل هنيّة في خطاب التحرير في غزة يوم التحرير بقوله "حدود فلسطين هي حدود الصفقة- غزة والضفة والقدس ومناطق 48" وأضاف " بالمقاومة حررنا الأرض- حررنا غزة وبالمقاومة حررنا الإنسان" (في إشارة للأسرى المحررين). وللحقيقة فإن المقاومة حققت ما ذكره هنيّة، ولم يحقق ذلك أو شبيهه أي مسار آخر.
الواقع الفلسطيني
الى جانب تحرير الأسرى وعائلاتهم من الأسر وعبئه ومعاناته، فانه جدير الالتفات الى جانب آخر من هذه الصفقة وهذا الإنجاز، والمقصود كشفها واقعاً فلسطينيا قيادياً غير واعد ولا يملك أفقاً حقيقياً ولا مشروعاً لتحرير الأسرى. إنها كشفت ما هو ليس مستوراً لكنه قائم على التمسك بأوهام تحقيق انجازات دون مقاومة، أي كبادرة حُسن نيَّة من إسرائيل التي علمنا تاريخ الصراع أنها لا تتورع عن اي جريمة ضد الشعب الفلسطيني الا إذا لم تستطع القيام بها او دفع ثمنها. فلا قانون ولا محكمة ولا رأفة ولا مفاوضات عبثية ستحرر الأسرى.
في المقابل فقد خلقت الصفقة مساحة حرية جديدة يتمتع بها الشعب الفلسطيني وحالة مصالحة مع الذات وإعادة الاعتبار للبعد العربي المساند الغائب عربيّاً والمغيّب فلسطينيا، والذي كرسته الاتفاقيات من كامب ديفيد ولغاية أوسلو وكذلك ما يسمى "مبادرة السلام العربية". كما وأعادت الاعتبار لجدوى النضال وآفاق التحرير. لتؤكد من جديد أن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة، وما أخذ بالاحتلال لا يسترد الاّ بالتحرير، وما أخذ بالنكبة لا يسترد الاّ بالعودة.
إن إصرار حماس على إدراج أسرى الـ 48 ضمن الصفقة ونجاحها في ذلك بإدراج عدد منهم هو إنجاز والى حد كبير انجاز استراتيجي. صحيح انها ليست صفقة التبادل الأولى تاريخياً التي تشمل هذا الجزء من الوطن الفلسطيني، لكنها المرة الأولى بعد اتفاقيات أوسلو التجزيئيّة، لترتسم الآن كمعيار لأية صفقة أو اتفاقيات مستقبلية. كما كشفت الصفقة عن الدور متعدد الاستراتيجيات الذي بإمكان مصر الجديدة ان تلعبه لتحرير الأسرى واستعادة الحق الفلسطيني في حال توفرت إرادة سياسية.
وجدير الانتباه ضمن تقييم الصفقة أن حماس نجحت بشكل كبير في الاستفادة من الرأي العام الإسرائيلي الضاغط على الحكومة الإسرائيلية لإعادة الجندي الأسير وانجاز الصفقة. وصمدت أمام التصعيد الإسرائيلي القمعي تجاهها وتجاه الحركة الأسيرة وتجاه غزة. هناك مطلب شعبي تعالى مع إقرار الصفقة وهو ربط أي تحرُّك فلسطيني قيادي بإطلاق سراح الأسرى وبأن تحرير الأسرى هو الهدف وليس تحسين ظروفهم في الأسر، وبأن موضوع الأسرى لا يجوز تأجيله أو تفضيل مواضيع أخرى عليه وبالذات نقيض ما هو سائد في المفاوضات غير الواعدة مع إسرائيل والتي يجري اشتراطها بتجميد توسيع الاستيطان، في حين أن الصيغة بشأن الأسرى تقول "لن نوقع على اتفاق سلام نهائي مع إسرائيل دون إطلاق سراح جميع الأسرى" وهي عمليا إستراتيجية التأجيل، لكن الشعب الفلسطيني لا يقبل التأجيل، وهذه فرصة سارعت الصفقة من وتيرتها.
إسرائيل تستعد لمنع وقوع أي جندي في الأسر ولخلق معادلة "رادعة" وتشمل محاولات تصفية القيادات الفلسطينية وكذلك تصعيد حاد في تضييق الخناق على أسرى الحرية في سجونها، إضافة الى البعد المخابراتي والتكنولوجي ذي الشأن. لكن كل هذه الوسائل قد جُرِّبت، وصمد شعبنا في وجهها. لكن لا استهانة في المخططات الإسرائيلية وهناك ضرورة لبلورة إستراتيجية فلسطينية لتقليص الثمن كما في كل حالة صراع وكذلك مضاعفة الجدوى.. وهذا يتطلب استعدادا فلسطينيا مسبقا إضافة للحاجة القصوى للبعد العربي الداعم والمساند وكذلك هناك أهمية للاستثمار بالدور التركي. ولكون البلدين مصر و تركيا يسعيان ليكونا دولتين عُظميين إقليميتين، ومن شأنهما أن يسهما إضافة للبعد الشعبي الفلسطيني والعربي والدولي المتضامن بتشكيل حزام أمان يتيح المجال لردع إسرائيل ولتحرير الأسرى واستعادة الحق.
21.10.11- أمير مخول
كما أن الصفقة تُكسِب حركة حماس تقديراً كبيراً ومصداقية عالية على ما حققته من خلال هذا الملف وإدارته المعقدة للغاية، خاصةً وأن حيثياتها جرت على أرض فلسطين وفي معظمها أُديرت في فلسطين ولمدة خمس سنوات وفي ظروف معقدة وخطرة وفي ظل فجوة هائلة في توازن القوى.
ولقد أعادت الصفقة الفرح المسلوب الى الأسرى وعائلاتهم والى كل شعبنا في الوطن والشتات، هذا الفرح المدمج بالعزّة والكرامة وروح الانتصار الواعد.
وإن كان هناك ثمن باهظ جرى التعبير عنه بالمشاعر والمعاناة النفسية وخيبة أمل لدى الأسرى والأسيرات القدامى الذين لم تشملهم الصفقة ولدى عائلاتهم، هذه المشاعر الصادقة التي تعاطف معها الأسرى والشعب واحتضنها وتفهّمها وشعر بها، فإن معاناة الباقين في الأسر ليست بسبب الصفقة وإنّما رغماً عن الصفقة بانعدام أفق فلسطيني تحريري آخر ملموس وجاهز في الوقت الحاضر. فالصفقة حققت ما يمكن تحقيقه. وليس صحيحا الاعتقاد أن تأجيلها كان بإمكانه تحسين شروطها أو رفع الثمن، بل قد يكون العكس تماماً مع المخاطرة بمجمل الملف. والصفقة من هذا النوع تُنجز عندما تُنجز لا تسريع فيها ولا تأجيل ولا تحديد مسبق للموعد.
إن صفقة تبادل أسرى- أية صفقة من هذا النوع هي معادلة محدودة وليست مفتوحةـ ولا يجوز توقع صفقة باستطاعتها تحرير كل الأسرى الستة آلاف الذين بقوا في السجون الإسرائيلية. ولو أردنا وضع حركة حماس في الامتحان فإن المعيار الحقيقي لقياس مدى النجاح أو الفشل هو هل بذلت الحركة واستنفذت كل الإمكانيات قبل إقرار الصفقة، وأنا على قناعة بأن الجواب نعم وبالتأكيد. فالصفقة في نهاية المطاف كما أنجزت، هي نتاج معادلة القوة وإقرارها شرعي وصحيح والانجاز كبير.
الى جانب الانجاز فإن تاريخ الشعوب التحرري والكفاحي يؤكد أنه حتى في الانتصارات الكبيرة هناك خسائر وضحايا، وهذا لا يقلل من حجم الانتصار.
هناك أهمية لما أكّده إسماعيل هنيّة في خطاب التحرير في غزة يوم التحرير بقوله "حدود فلسطين هي حدود الصفقة- غزة والضفة والقدس ومناطق 48" وأضاف " بالمقاومة حررنا الأرض- حررنا غزة وبالمقاومة حررنا الإنسان" (في إشارة للأسرى المحررين). وللحقيقة فإن المقاومة حققت ما ذكره هنيّة، ولم يحقق ذلك أو شبيهه أي مسار آخر.
الواقع الفلسطيني
الى جانب تحرير الأسرى وعائلاتهم من الأسر وعبئه ومعاناته، فانه جدير الالتفات الى جانب آخر من هذه الصفقة وهذا الإنجاز، والمقصود كشفها واقعاً فلسطينيا قيادياً غير واعد ولا يملك أفقاً حقيقياً ولا مشروعاً لتحرير الأسرى. إنها كشفت ما هو ليس مستوراً لكنه قائم على التمسك بأوهام تحقيق انجازات دون مقاومة، أي كبادرة حُسن نيَّة من إسرائيل التي علمنا تاريخ الصراع أنها لا تتورع عن اي جريمة ضد الشعب الفلسطيني الا إذا لم تستطع القيام بها او دفع ثمنها. فلا قانون ولا محكمة ولا رأفة ولا مفاوضات عبثية ستحرر الأسرى.
في المقابل فقد خلقت الصفقة مساحة حرية جديدة يتمتع بها الشعب الفلسطيني وحالة مصالحة مع الذات وإعادة الاعتبار للبعد العربي المساند الغائب عربيّاً والمغيّب فلسطينيا، والذي كرسته الاتفاقيات من كامب ديفيد ولغاية أوسلو وكذلك ما يسمى "مبادرة السلام العربية". كما وأعادت الاعتبار لجدوى النضال وآفاق التحرير. لتؤكد من جديد أن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة، وما أخذ بالاحتلال لا يسترد الاّ بالتحرير، وما أخذ بالنكبة لا يسترد الاّ بالعودة.
إن إصرار حماس على إدراج أسرى الـ 48 ضمن الصفقة ونجاحها في ذلك بإدراج عدد منهم هو إنجاز والى حد كبير انجاز استراتيجي. صحيح انها ليست صفقة التبادل الأولى تاريخياً التي تشمل هذا الجزء من الوطن الفلسطيني، لكنها المرة الأولى بعد اتفاقيات أوسلو التجزيئيّة، لترتسم الآن كمعيار لأية صفقة أو اتفاقيات مستقبلية. كما كشفت الصفقة عن الدور متعدد الاستراتيجيات الذي بإمكان مصر الجديدة ان تلعبه لتحرير الأسرى واستعادة الحق الفلسطيني في حال توفرت إرادة سياسية.
وجدير الانتباه ضمن تقييم الصفقة أن حماس نجحت بشكل كبير في الاستفادة من الرأي العام الإسرائيلي الضاغط على الحكومة الإسرائيلية لإعادة الجندي الأسير وانجاز الصفقة. وصمدت أمام التصعيد الإسرائيلي القمعي تجاهها وتجاه الحركة الأسيرة وتجاه غزة. هناك مطلب شعبي تعالى مع إقرار الصفقة وهو ربط أي تحرُّك فلسطيني قيادي بإطلاق سراح الأسرى وبأن تحرير الأسرى هو الهدف وليس تحسين ظروفهم في الأسر، وبأن موضوع الأسرى لا يجوز تأجيله أو تفضيل مواضيع أخرى عليه وبالذات نقيض ما هو سائد في المفاوضات غير الواعدة مع إسرائيل والتي يجري اشتراطها بتجميد توسيع الاستيطان، في حين أن الصيغة بشأن الأسرى تقول "لن نوقع على اتفاق سلام نهائي مع إسرائيل دون إطلاق سراح جميع الأسرى" وهي عمليا إستراتيجية التأجيل، لكن الشعب الفلسطيني لا يقبل التأجيل، وهذه فرصة سارعت الصفقة من وتيرتها.
إسرائيل تستعد لمنع وقوع أي جندي في الأسر ولخلق معادلة "رادعة" وتشمل محاولات تصفية القيادات الفلسطينية وكذلك تصعيد حاد في تضييق الخناق على أسرى الحرية في سجونها، إضافة الى البعد المخابراتي والتكنولوجي ذي الشأن. لكن كل هذه الوسائل قد جُرِّبت، وصمد شعبنا في وجهها. لكن لا استهانة في المخططات الإسرائيلية وهناك ضرورة لبلورة إستراتيجية فلسطينية لتقليص الثمن كما في كل حالة صراع وكذلك مضاعفة الجدوى.. وهذا يتطلب استعدادا فلسطينيا مسبقا إضافة للحاجة القصوى للبعد العربي الداعم والمساند وكذلك هناك أهمية للاستثمار بالدور التركي. ولكون البلدين مصر و تركيا يسعيان ليكونا دولتين عُظميين إقليميتين، ومن شأنهما أن يسهما إضافة للبعد الشعبي الفلسطيني والعربي والدولي المتضامن بتشكيل حزام أمان يتيح المجال لردع إسرائيل ولتحرير الأسرى واستعادة الحق.
21.10.11- أمير مخول