قضاء زادة
أمير مخول/ 29.11.13
إمعانًا في التخطيط
الشامل لإتقان المجزرة، إنتظر الارهابي الإسرائيلي "عيدن نتان زادة"
وصول الحافلة يوم 4.8.2005 الى وسط مدينة
شفاعمرو، كي ينفّذ ما خطّط له أو خطّطوه له كي ينفذّه.
انطلقت الحافلة
تُقِّلُ الركاب من حيفا مرورًا بعدد من المحطات والمستعمرات الإسرائيلية وآخرها
كريات آتا المقامة على أنقاض كقرتّا الفلسطينية المهجّرة. وفي وسط شفاعمرو لم يبق
أحد من الركاب اليهود، بل فقط عربًا فلسطينيين.. وهكذا حانت فرصة القتل.. الجميع
"حلال"!!
قام الإرهابي
المقيم في إحدى مستعمرات دولة الاحتلال في الضفة الغربية وبالزيّ العسكري
الاسرائيلي وصوّب البندقية العسكرية الاسرائيلية باتجاه كل من استطاع وهدفه ان
يقتل كل من تجد له عياراته سبيلاً.
سقطت شهيدتان
أختان وسقط شهيدان وأصيب الكثيرون. وكانت نجاة الناجين من ركاب الحافلة بمحض
الصدفة فقط. ولو استطاع زادة أن يواصل القتل لفعل. ولو بقي على قيد الحياة لكان
الاحتمال الأوفر هو أن تحيله محكمة دولته الى الفحص في احد المصحّات النفسية لتقرر
المحكمة لاحقاً بأنه غير أهلٍ للمثول أمام المحكمة لأسباب نفسية. إن هذه الوضعية
باعلان فلان ليس أهلا للمثول امام القضاء هي امتياز قضائي لليهود فقط!!
لم توفّر
"الدولة" الحماية للضحايا، لكنها لم تكتف بذلك، بل عمليا قررت مصادرة حق
هذا الجمهور في حماية نفسه. لم تحترم "الدولة" حتى قانونها هي. وتركت
الناس تشاهد السفاح يقتًل ويتقتُل وهي تملك لا شيء.. وهذا ليس بجديد ولا أزال أذكر
تحذيرات وتهديدات رئيس حكومة "اسرائيل" الأسبق اسحق شمير مباشرة بعد
مجزرة غولدشتاين في الحرم الابراهيمي.. وقد وجّه شمير إنذاراته ووعيده للضحايا
الفلسطينيين من مغبّة القيام بأي رد فعل على المذبحة..هذا هو موقف دولة وليس فرد.
وفي حال مجزرة شفاعمرو قامت "الدولة" بما هدد به شمير، ولاحقت الضحايا.
وما أكثر المجازر الارهابية الاسرائيلية وترهيب "اسرائيل" للضحية.
تؤكد العلوم
السياسية مبدأ فصل السلطات- التشريعية والتنفيذية والقضائية- وهناك إشكالية في حال الاعتقاد بأن
"الفصل" يعني اللا-علاقة. لأن من شأن هذا أن يخلق وهمًا بأن السلطة
القضائية هي جهاز حيادي أو طرف ثالث خارج "الدولة" ومستقل عنها- لكن حتى
ولو اعتمدنا هذا "الفصل" فإنه لا يعني بتاتًا استقلالية السلطات. القضاء
في دولة استعمار استيطاني هو قضاء دولة استعمار استيطاني وفي دولة احتلال وعنصرية
يأخذ من لون الدولة وجوهرها، وفي دولة يهودية هو منظومة تابعة للدولة اليهودية
الصهيونية.
القضاء هو أكبر
وأوسع بكثير من مجرد المحكمة، فالقضاء هو منظومة قيم وسيطرة، وهو القانون وهو
الجهاز وهو منظومة أنظمة الطوارىء الإدارية وهو المستشار القضائي للحكومة والقضاة
والنيابة العامّة للدولة ومحققو الشرطة ومحققوا الشاباك وجهازه وهؤلاء الأكثر
وزنًا، وهو أنظمة منع النشر ومنع اللقاء مع محامي الدفاع، وهو وزير الأمن الذي
يملك صلاحية اعلان وثائق ومعلومات جوهرية وأدلّة حاسمة بأنها "سريّة"
ومحميّة باسم الأمن والقانون. إنه جهاز سلطوي متعدد الرؤوس. إن هذه الأطراف تتحدث
باسم الحق العام الإسرائيلي والصالح العام في دولة يهودية هو يهودي وأيديولوجيته
صهيونية.
وحين يقف العربي
الفلسطيني أمام المحكمة الإسرائيلية فإنه يقف أمام جهاز من أجهزة الدولة والتي في
جوهرها عدائية له ولجوهر حقه.
إن أيه محاججة
لتوخّي مبدأ المساواة في الاحكام وإعمال العدالة، بين العرب "المواطنين"
واليهود المواطنين امام القضاء الاسرائيلي قد تلائم المسعى لكشف الغبن لكن ليس
لإحقاق العدالة والمساواة. هذه هي حدود القضاء و "العدالة الإسرائيلية".
وهذا ينسحب على المقارنة الإشكالية بين الشباب الشفاعمريين الذين أدانتهم المحكمة
المدانة هي ذاتها، وبين إرهابيين يهود اسرائيليين.
قد تبدو الأحكام
الصادرة مخفّفة مقارنًة مع ما طالبت به النيابة العامة الإسرائيلية باسم الدولة.
لكن لا علاقة لهذا بالعدالة. فالأحكام كما مجمل المحاكمة هي انتقامية ظالمة وجائرة. لكن هناك عاملان
مركزيان وراء إصدار أحكام أقلّ مما طلبته النيابة. أحدهما هو الجهد الممتاز الذي
قام به المحامون في فضح جوهر الملف وجوهر النيابة العامة الانتقامي وطابع المؤسسة
الاسرائيلية العدائي. لكن هذا الملف ليس قضائيًا فحسب، بل هو ملف سياسي بامتياز
وانتقامي وعنصري بامتياز. وهذا ينقلنا الى العامل الآخر الحاسم في ردع الدولة
ومحكمتها ألا وهو دور جماهير شعبنا المستند الى صمود الشباب الشفاعريين وعدالة
قضيتهم- قضيتنا وتحمّل الواجب الشعبي والمسؤولية الجماعية في حمايتهم.
لقد حمل المشهد
خلال النطق بالحكم دلالات كبيرة. اضربت شفاعمرو مدينة وأهلاً، وفي حيفا حاصر
الآلاف من بنات وأبناء شعبنا مقر المحكمة وأروقتها. لتؤكد الحشود القادمة من كل موقع،
أنها المحاكمة غير شرعية والحكم غير شرعي وأن "الدولة" وجهازها القضائي
متّهمون بالمسوؤلية عن مجزرة شفاعمرو وعن تبييض مجزرة نتان زاده ومُرسليه. وهذا
السفّاح هو ابن اسرائيل. وأن أهل الوطن قرروا حماية انفسهم وحقهم الطبيعي الأول
بالحياة. وهذا من شأنه أن يشكل نزع ثقة اضافي بالجهاز القضائي الاسرائيلي
وشرعية أحكامه. فلا يوجد سوء تفاهم مع إسرائيل وجهازها القضائي. وعليه فإن
المسألة ليست قوة الاقناع لدى الجماهير العربية الفلسطينية وهيئاتها، وتأثيرها على
الرأي العام الاسرائيلي، بل أنه وكما قال مالكوم إكيس وآخرون: " الشيء الوحيد
الذي تحترمه القوة هو القوة". ولا أقوى في حالتنا من قوة جماهير الشعب
المكافحة المتحديّة مستندة الى إرادتها الكبرى والى عدالة قضيتها. وبقوة الشعب
وصمود الضحايا نكون قد اسقطنا قناع الحضارة الذي يلبسه جهاز القمع والقهر باسم
القضاء، ونكون قد ردعنا اسرائيل وقضائها حين يتحرك السفاح القادم من لدنها. ونكون
قد قد اسقطنا بقايا وهم بشأن "عدالة" القضاء.. بل أن العالم كله هو
ساحتنا وفي الحلبة المحلية والشعبية والعالمية لا تزال أدوات كثيرة لم نستعملها
بعد، لكن الدّالة تؤكد أننا سننتصر على الظلم والظالمين.
التحية كل التحية
الى الشباب الشفاعمريين المحاكمين ظلما، والصامدين إرادةً، وتحية الى عائلات
الشهيدين والشهيدتين والى جرحى المجزرة.. وتحية الى كل من تحمّل المسؤولية من
أبناء وبنات شعبنا وكل المتضامنين.
No comments:
Post a Comment