Tuesday, December 3, 2013

جرثومة "الصبر": الصبر مفتاح الوطن

أمير مخول
12-11-13

على واجهة صفحتها الأولى وضمن عناوينها الرئيسيّة الثلاثة، طالعتنا "يديعوت أحرونوت"  الإسرائيلية الأوسع انتشارا، بخبر عن احتمال انقراض نبتة "الصبر" واختفائها عن مشهد البلاد. وقد عَزَت الصحيفة السبب الى جرثومة خطيرة كما يبدو "من أمريكا اللاتينية" لكن مصدرها لا يزال "مجهولا".
وجهة نظري عن هذا الخبر مبينة على ما يدرج البعض تسميته "نظرية المؤامرة" ولن أتراجع في هذا السياق عن وجهة النظر المبنية على المؤامرة، لآن هناك نهجًا سائدًا قائم على استبعاد إمكانية المؤامرة ويستهين بالتفكير بها، وهو أيضا يحمل في طياته  الكثير من المؤامرة، خاصة اذا كان المقصود به هو التقليل من خطورة ونوايا ومؤامرات الصهيونية. كما أن الحرب أو العدوان الجرثومي ليس بالأمر الجديد.
"الصبر" هو التسمية الفلسطينية الدارجة والشعبية لنبة الصبّار، وفلسطين تحتاج الى لكيهما الى الصبر والى الصبّار وكلاهما من رموز هذا الوطن وشعبه.
نبتة "الصبر" هي نبتة عندية كعناد وصبر أهل هذا الوطن، واذا هجّرت الصهيونية شعبنا وحوّلت غالبيته الى لاجئين وسعت لتهودي أرضه وممتلكاته، بعد أن هدمت القرية والبلدة والمدينة، ولم يتوقف مشروعها الاقتلاعي يوما.
لكن بقي "الصبر" يرافقه التين والزيتون، يشهد على اصل الوطن وعلى أهل الأصل. نبتة الصبر مقاوِمة أمام مَن يسعى للتخلص منها، وفيها من الوفاء الكثير لمن زرعها واعتنى بها وتغنّى بها. وفي حين احتلوا الوطن ونكبوا أهله، واصلت النبتة نموّها وانتشارها، وكلما كسروا لوحًا من "الصبر" وألقوه أرضا مَدَّ جذورًا في تراب الوطن ونبتت منه شجيرة جديدة وأثمرت. وحين جفّفوا آبار شعبنا وسرقوا مياهنا، نبت "الصبر" ولم ينتظر الري من احتكار "مكوروت" الصهيوني، أزهر أجمل الأزهار وأثمر أحلى الثمار يحميها بشوكه، ليحافظ على طعم الوطن ولم يقبل بأي طعم آخر.. كل هذا كي يتذوّق أهل الوطن الباقون ما زرعوه أهل الوطن اللاجئون، وفي ذلك حفاظّا عليه حتى عودتهم، ومؤكدين أن الصبر مفتاح الفرج و"الصبر" مفتاح للوطن.
سرقوا الأرض والمكان والمشهد، حتى الحجارة وحتى شواهد القبور لعرضها في حدائق إسرائيلية خاصّة، كما الحال في مستعمرة "معلوت". سعوا أن لا يبقى شيء.. لكن الصبار هو علامة التهجير وهو علامة البقاء والصمود.. هو الشاهد وهو الدليل. هو قولٌ ونداء:  ناطرينكم.. عودوا يا أصحاب الأرض..
إن تركيز الصحيفة الإسرائيلية بتاريخ 12.11.2013 على جرثومة الصبر، أثار لديّ الشكوك وعزّز التشكيك، وذكرّني بإحدى نظريات علم الجريمة القائلة بأن المجرم وبالذات ان كان متورطا بجريمة قتل أو اغتصاب، لا يترك الضحية، سواء أكان ذلك خوفا منها أم هوسًا من بقايا أثر تشير الى مرتكب الجريمة. انه يحاول العودة اليها سعيا لضمان النتيجة، يحوم حولها ويدور في مكانها، يريد أن يخفي الأدلّة.. أن يخفي الضحية. وتدرك "يديعوت أحرونوت" ان "إسرائيل" من أكثر دول العالم تطورًا في مجال الزراعة والهندسة الزراعية والمبيدات.. وما أكثر مبيداتهم.. واختراعاتهم في هذا المجال وفي المجال الجرثومي.. فهل حقًا تعجز عن مواجهة جرثومة تذكر الصحيفة كل تفاصيلها والمعلومات عنها!!!
في الخمسينيات تمّ تسديد ضربة قاضية للقطن المصري عالي الجودة استهدفت اقتصاد البلاد ومجتمعها وقياداتها. وقد حدث ذلك من خلال جرثومة زرعها الاستعمار العالمي بعد أن طوّرها في معاهده ومختبراته وسّوقها مع بذوره المهجّنة وأسمدته و"نصائح" خبرائه.
وأحد الأمثلة في فلسطين هو ما جرى في السنوات ذاتها ولاحقا، وبالطريقة ذاتها مع كروم العنب الفاخر المتوارثة منذ عصور قديمة في الجرمق وبلدة "بيت جن". انها جرثومة شبيهة جاءت "بقدرة قادر"! وأدّت الى ابادة كل الكروم وفقدان هذه البلدة لمصادر معيشتها وعلاقتها بالأرض والفلاحة، ليتسارع بعدها مدّ الشباب الذين يخدمون في الجيش الإسرائيلي ضمن قانون التجنيد الإلزامي المفروض على العرب الدروز.
وفي السبعينيات- "حتى الزعتر صار حراما والعكوب" ليقف وراء ذلك قانون الزعتر الصهيوني الذي حوّل الزعتر الى احتكار لمزارع يهودية ضمن مسلسل تهودي الوطن وتم التضييق على المراعي المفتوحة لقطعان الماعز الفلسطيني البلدي والشامي، "لحماية الزعتر". هذه الفِرية المنافية للحقيقة ولطبيعة الوطن وحتى لطبيعية الزعتر والماعز. وخلال سنوات أصبح الماعز وحليبها احتكارا لمستعمرة صهيونية في الشمال على ارض سحماتا المهجّرة المعروفة بصبرها وصبّارها.
وفي النقب سممّوا حقول القمح والمراعي وقضوا على غالبية قطعان الغنم في مقدمة للتطهير العرقي لأهل المكان الباقين في هذا الجزء من الوطن، كي يبنوا مستعمرات صهيونية على أنقاضها.
هكذا هو حالك يا صبرنا.. يخافون الصبر ويخافون الصابرين والصابرات، يخافون شعب الصبر الذي اعتمد الصبّار علمًا له ولبقائه ولعودته.
هنا باقون
"هنا على صدوركم باقون كالجدار، وفي حلوقكم كقطعة الزجاج كالصبار، وفي عيونكم زوبعة من نار، هنا على صدوركم باقون كالجدار؛ نجوع؛ نعرى؛ نتحدى ننشد الأشعار ونملأ الشوارع الغضاب بالمظاهرات ونملأ السجون كبرياء"..



No comments: