عشية حلول الذكرى السنوية الخامسة لوقوع جندي قوات الإحتلال الإسرائيلي جلعاد شليط، في الأسر والذي صادف في 23 من شهر حزيران، صرح نتانياهو بأن "عصر الإمتيازات" للأسرى السياسيين الفلسطينيين والعرب في السجون الإسرائيلية، والذين تفوق أعدادهم السبعة الألاف، قد ولى وانتهى. ومن ضمن ”الإمتيازات“ التي تحدث عنها نتانياهو هي تكميل الدراسة الجامعية بالمراسلة من خلال الجامعة المفتوحة، ولم يذكر نتانياهو طبعاً أن نفقات دراسة الأسرى تكون على حسابهم الخاص. وقال في خطابه إنه أصدر الأوامر لأخذ جملة إجراءات لتغيير الظروف السائدة في السجون، دون أن يتطرق لتفاصيل هذه الإجراءات. جاءت تصريحات نتانياهو هذه بهدف التماشي مع الحملة الشعبية الإسرائيلية والمطالبة بإطلاق صراح شليط والضغط على حركة حماس في هذا الصدد التي وقع شليط في أسرها.
وكما تعودنا تجند الإعلام الإسرائيلي لدعم حملة نتانياهو وسياسته ليؤكد مجدداً أن هذا الإعلام ما هو إلا إعلام البلاط. في اليوم التالي لخطاب نتانياهو قامت الإعلامية إيلاه حسون-نِشر بتعليق حول وضع الأسرى السياسيين تبرز فيه ”الرفاه“ الذي يعيش فيه الأسرى في السجون الإسرائيلية. وهذه الصحفية هي إحدى أبرز الصحفيات والمعلاقات في الشؤون السياسية لبرنامج ”يومان“، وهو أحد أهم البرامج الأخبارية في القناة الأولى في التلفزيون الإسرائيلي. وأشارت حسون أن السجناء ينعمون ”بولائم“ دجاج ووصفت الولائم بولائم ”الفساد والبذخ“. وتناست حسون والإعلام الإسرائيلي ذكر أن كل ثمانية سجناء يقبعون في زنزانة لا تكبر مساحتها عن مترين مربع وأن ولائم الدجاج التي تتحدث عنها هي يقوم السجناء بشراءها على نفقاتهم الخاصة وأن هذة الوليمة لم تكن إلا دجاجة واحدة تقاسمها السجناء الثمانية مع حبة فلفل حار يتيمة يتلذذ كل أسير بحرقتها، وتبدو للأسير حلوة أمام مرارة السجن الإسرائيلي، وتعويضاً عن النقص في المواد الغذائية الرئيسية في السجون.
تمثل الصحفية حسون في توجهها هذا سياسة الإستعمار لتكون أداة في يده، ممثلة له ومتعاونة بل مشتركة في السياسة الإستعمارية. في ذلك اليوم بالذات الذي بث فيه التقرير، أي يوم الجمعة الموافق 24 من حزيران وفي تمام الساعة الثانية عشرة وست وأربعين دقيقة ظهرًا، أحضرت إدارة السجن ولأول مرة منذ بداية العام البطيخ للأسرى. بحسب القوانيين الدولية يحق لكل أسير الحصول على 180 غراماً من الفاكهة يومياً. ويبدو أن البصل في سجنهم يصبح من هذه الفاكهة. فحصل كل أسير قبل ذلك بأيام، عندما غابت الفاكهة، على بصلة تعويضاً عنها!
في ذلك اليوم وعندما سمعنا بالبطيخ إستبشرنا وهماً. فحصل كل قسم على ثلاث بطيخات وفي كل قسم يوجد 120 أسير. أي حصل كل 40 أسير على بطيخة واحدة! وأما توزيع الأسرى في السجون فيكون بحسب مناطق سكن عائلاتهم. ويتم عزلهم عن الأسرى في المناطق الأخرى. فيوزع أسرى القدس والداخل والجولان في أقسام مشتركة وأسرى الضفة في أقسام أخرى منفصلة وأسرى غزة في أقسام ثالثة إلى أخره. ويبدو من البديهي الذكر أنه يتم عزل الأقسام المختلفة عن بعضها البعض ولا يوجد إتصال بينها. أما في سجون الجنوب فقد قاموا بالفصل بين أسرى الفصائل المختلفة وخاصة بين فتح وحماس ومنعوا الزيارات عنهم منذ أربع سنوات.
وقعت على عاتق فريق الأسرى العاملين في توزيع المواد الغذائية على بقية الأسرى مهمة صعبة وهي تقطيع كل بطيخة من البطيخات الثلاث لأربعين قطعة. وعليهم إتقان تقطيع ما لا يمكن تقطيعه وكذلك بالتساوي لأربعين. وهكذا حصل كل أسير على قطعة على شكل مثلث متساوي الساقين الأحمرين وقاعدته القشرة الخضراء. والقشرة التي تزن أكثر من أحمر البطيخ، يجري إحتسابها ضمن 180 غراماً اليومية. من كل مثلث فاحت رائحة البطيخ ونكهته الرطبة، لكن مذاقها كان ضحية حجمها، فلم يلبث البطيخ أن لامس السنتنا ودغدغت رائحته أنوفنا حتى إنتهت القطعة.
أراد نتانياهو في خطابه صرف الأنظار عن الأزمة التي تواجهها حكومته ودولته، إضافة إلى محاولته لتغير مسار الضغط الشعبي المحتمل في قضية تبادل الأسرى مع حماس، هذا الضغط وإن زاد قد يضطره للتوصل إلى صفقة هو غير معني بها. فكان لنتانياهو ما أراد فتجندت الألسنة والأقلام لتصب سخطها على الأسرى الفلسطينيين والعرب بدل الإلتفات إلى مشاكل حكومتهم. حرك الرأي العام الإسرائيلي غرائزه كي يحمي ساسته وسياستهم، فقبلوا بالوهم.
وفي ”المسرحية“ التلفزيونية التي أقاموها، تظاهروا بدور الضحية في أستديو إعلامي أسموه "زنزانة"، ودخل اليها عُلي القوم ونُخبِه كي يوهموا أنفسهم بأنهم يشعرون بمشاعر جندي إحتلال أسير لدى المقاومة الفلسطينية. وفي زنزانة إستعراضية إفتراضية إختلقوا الكذبة وقبلوا بها وأعادوا إنتاجها كي يقوموا بعملية غسل ضمائر المحتلين، لقد أرادوا أن يحتلوا من الأسير الفلسطيني زنزانته لينسبوا صفة المعاناة لأنفسهم. أما القهر فيبقى حكرًا على الفلسطيني. لقد سعوا ويسعون إلى مصادرة قصص وأسماء سبعة آلاف أسير، وبهذا يصادرون معاناتهم ومعاناة عائلاتهم وشعبهم. ويريدون تحويلهم إلى أرقام وليس بشر، أرقام تتقزم في نظرتهم الإستعمارية أمام أسر جندي إحتلال.
ذكرتني قصة البطيخة بقصة على بابا والأربعين حرامي مع وجود خلاف جوهري بالطبع، ففي القصة الشعبية المتوارثة هناك أربعون حرامياً أغلق عليهم في جرار إختبأوا بها من وجه العدالة. وفي قصة حياتنا المعاشة هناك حرامي واحد، لم تُغلق دنياه بعد ولكنها بدأت تضيق، سرق الحرية وسرق الوطن وسرق الأسرى والشعب.
نحن لا نحتمي بالأوهام ولا نبني عليها، وأما "وليمة" الأسرى ورغم أنها على مائدة القهر، مائدة اللئام، فإن ما يجعل لها مذاقًا خاصاً هو إرادة الأسرى لكن الأسرى ليسوا أيتام بل لهم شعب ونضال يساندهم ويحررهم، والسؤال متى؟ أما الجواب فهو لدينا، نحن الأسرى ونحن الشعب.
No comments:
Post a Comment